باتت ظاهرة عمليات التراشق في بعض المواقع الاجتماعية بالشبكة العنكبوتية كالفيس بوك وتوتير، واضحة، بل وأصبحت هذه المواقع مسرحاً للشتائم فيما بين بعض المنتمين إلى الوسط الثقافي، ولا يخلو ذلك من تراشق بالألفاظ النابية أحيانًا، مما ينعكس سلبًا على حضور المثقف السعودي في مثل هذه المواقع.. بداية يقول الدكتور أحمد عسيري: لاشك أن هناك خلطًا لدى البعض حول مفهوم حرية الرأي من منطلق كونه حقًا مطلقًا بلا محددات، وكونه حقًا نسبيًا بالضرورة لا يتجاوز خطوطًا اُصطلح عليها بالحمراء تتبع في الغالب مكونات المجتمع الخاص الدينية والثقافية والأعراف الملزمة، وما يشاهد عبر مواقع التواصل الاجتماعي هو في الواقع وفي مساره الاعتيادي يمثل وجهًا عصريًا لآلية الحوار لاستجلاء ما كان منها خلاقًا وبناءً، أو لتبادل وجهات النظر حول العديد من المواضيع والقضايا الشائكة، وكذلك لدعم فكرة ما، أو لدحض رأي مغاير، وهنا من المفترض أن تحكم كل مشاركة الموضوعية وأدب الحوار المبني على أسس معرفية سواء بإيصالها أو تقبلها من وإلى الآخر لإحداث نقاط مشتركة من خلال الإقناع بعيدًا عن الضغوط والتصنيفات غير اللائقة، والعمل قدر الإمكان على تفعيل مناقشة الأشياء والحالات وليس الأشخاص في محاولة النيل منهم بالتعرّض لخصوصياتهم وتهويل زلاتهم وتصيّد أخطائهم لمجرد اختلاف في الرأي أو المنهج. ويضيف الدكتور عسيري: برأيي أنها لم تصل إلى حد الظاهرة على الأقل إلى الآن لأن الملاحظ حقيقة هو حالات محدودة ونماذج مكررة. ويقول الدكتور والشاعر يوسف العارف: ظاهرة التراشق بالألفاظ هي امتداد للتراشق الورقي، ويعد ذلك من أحد أكبر المشاكل بين المثقفين الذين يفترض بهم أن يتبادلوا الحوار وقبول الآخر في قنوات التواصل الاجتماعي في الفضاء الإلكتروني، ولكن ما يحدث في هذه المواقع يعد سقطة من سقطات المثقفين والذين للأسف يقولون ما لا يفعلون!.. ولعل من أهم أسبابه هو عدم قبول الآخر والثقة الزائدة بالنفس اعتداء على كل صاحب حق أو رأي، وأما تغييره ففي اعتقادي أن ذلك ينصب حول شعوره بأنه مثقف رغم أن الثقافة سلوك قبل أن تكون كلامًا أو شعارات ولابد أن يتحول سلوك المثقفين إلى أفعال. ويعتبر الكاتب والمخرج جميل القحطاني أن هذه ظاهرة غير صحية ولكن ربما البعض يمضي مع مقولة «خالف تُعرف»، لأنه ربما يجد في نفسه أنه لم يصل إلى الناس فيحاول أن يعوّض هذا النقص الذي يجده في نفسه بأن يرمي أحدًا من الناس المعروفين في الوسط الثقافي عموماً، وهناك عدة طرق من شأنها أن تسهم في تغيير هذه الظاهرة، ومنها مثلاً: عمل دورات تثقيفية للمجتمع على مدار العام بشكل شهري والتعرّف على كيفية الهدوء والاسترخاء عند أي استفزاز من قبل أي شخص. ويقول الكاتب محمد قشقري: الاختلاف البيّن بين توجهات المثقفين أصبح مستعصيًا على الضم ضمن إطار موحد يجمع بين مستويات الفكر المختلفة، ويكمن السبب وراء ذلك في اختفاء الفكر الحقيقي وتشرذم قشرة «الفكر النسخي» بين حلم صارخ بعودة الماضي كما هو و تماهٍ مع حضارة لا تتعايش مع الصياغات الأخرى وإنمّا تدعها أسيرة هامش تقليدها، ولذا نجد أن المثقف وقد أصبح بلا رصيف يقف عليه وسط زحام مرور يصب على الشارع الفكري من اليمين واليسار والوسط ليعلو صراخ السائقين ويختفي سياق الحوار وتبدأ سياقة كلٌ يريد فيها الوصول إلى هدفه دون أدنى اهتمام بتخطي حدود الآخر والدهس على مشاعره، وأرى أن من أسبابها هو أن كل مثقف يجيّر ثقافته أياً كان توجهها لمصلحته الخاصة، فالوهج الإعلامي هو الغاية القصوى.