رغم مرور عشرين عاما على اندلاع حرب البوسنة، التي أودت بحياة ما يربو على 100 ألف شخص على مدى 44 شهرا إلا أن قلة من الناجين يعتبرون أنها صارت ضربا من الماضي. وعندما اندلعت الحرب في البوسنة، قال كثيرون إن سبب تفجرها هو نزاعات يعود تاريخها إلى الحرب العالمية الثانية وربما قبل ذلك وقد ظلت ردحا من الزمان بدون حل، تلك الحرب أدت إلى تأليب الصرب - الذين يتفوقون في السلاح بفضل الجيش اليوغوسلافي السابق - ضد المسلمين والكروات مما اضطرهما إلى التحالف معا رغم أنفهما. مازال كثيرون في البوسنة من أطراف الصراع يشعرون بأن الطريقة التي انتهت بها الحرب فاقمت الضغائن القديمة فحسب، الأمر الذي يهيئ الساحة لاندلاع صراع آخر مستقبلا. فالحرب وضعت أوزارها بعد اتفاق دايتون للسلام الذي جرى التوصل إليه برعاية أمريكية مع ترك الوضع على الأرض معلقا كما هو في أواخر عام 1995 وهو ما أثار حنق المسلمين الذين يمثلون أكبر طائفة عرقية في البوسنة ، ولا يزال هذا الشعور بالحنق مستمرا حتى اليوم فهم يشعرون أنه من قبيل الظلم البين السماح للصرب بالاحتفاظ بالأراضي التي استولوا عليها والتي تمثل 50 في المئة من مساحة الدولة رغم أنهم يشكلون ثلث عدد سكان البلاد. دفع هذا الوضع الرئيس البوسني السابق وزعيم المسلمين حارس سيلاديتش إلى أن يقول في إحدى المقابلات: «المشروع (الصربي) آخذ في الازدهار» وأردف يقول «لقد تعرض حوالي نصف مليون شخص على الأقل للتطهير العرقي، وبدا ترتيبنا الدستوري وكأنه بالفعل يكافئ (من قاموا) بالعدوان والإبادة الجماعية والتطهير العرقي». المسلمون الذين يشكلون قرابة نصف سكان البوسنة، غاضبون بالذات لأن الصرب احتفظوا بسربرنيتشا، تلك البلدة التي صارت رمزا للعدوان الصربي ومعاناة المسلمين وما يجدر ذكره، أن القوات الصربية دخلت في الأشهر الأخيرة من الحرب وبالتحديد في تموز/يوليو 1995 سربرنيتشا وهي جيب مسلم يخضع لحماية الأممالمتحدة، وأعدمت قرابة ثمانية آلاف صبي ورجل، فيما عرف بمذبحة سربرنيتشا وفي عام 2007 قضت محكمة العدل الدولية بأن ما جرى في سربرنيتشا «إبادة جماعية» لكن ذلك لم يغير الوضع في البوسنة ولا يزال اتفاق دايتون للسلام يعد بمثابة الدستور في البوسنة ولا يمكن تعديله إلا بموافقة جميع الطوائف العرقية. ويرفض الصرب الذين فازوا بالنصيب الأكبر من البلاد قبول إجراء أي تعديلات عليه وتعد مذبحة سربرنيتشا - والحصار الصربي لسراييفو - أشهر الفظائع لحرب البوسنة، إلا أن هناك المزيد من الفظائع التي ارتكبت في أنحاء البلاد ولكن لم يجر توثيقها بالشكل المناسب وفي نهاية المطاف، نال كل من الأطراف الرئيسية الثلاثة نصيبه في البوسنة التي صارت تتألف اليوم من جيوب من المناطق المتجانسة عرقيا، يرى كل منها أحقيته في نصيب من الارض التي طرد منها طرفًا آخر لذا التقط الشاعر الوطني الصربي ماتيا بيكوفيتش الشعور السائد بأن الحسابات القديمة لم يتم تسويتها في قصيدته التي ألفها عام 1996 تحت عنوان «سيراسيمو سي جوس» (سوف نعود إليها مرة أخرى).