بعد توقف دام اثنين وعشرين عامًا من التوقف يعود الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي بديوان «طلل الوقت» الذي حوى بين دفتيه ست عشرة قصيدة، حجازي جواد إبداعه مرتاد مراعي القصيدة بين حين وآخر على مدى العقدين الأخريين، «طلل الوقت» وهذا عنوان لإحدى قصائد الديوان شكلت وجهًا أيقونيًا لشعريته حيث العنوان مركب إضافي لعنصرين أحدهما مكاني (الطل) والآخر زماني (الوقت)، ولا يكون تعالقهما بتواشجهما الإضافي فحسب، بل بكل ما يحمله كل عنصر من جينات للعنصر الآخر، فالطلل إذا هو مكان انطمست معالمه، بفعل تعامد أشعة الفاعلية الزمانية عليه، وبالمثل فإن الوقت عنصر زماني يحوي في خلفيته ظلالا مكانية، فالوقت إنما هو حركة عبر مكان، وكأنما الشاعر هنا يصب شرابًا عتيقًا في قنينة عصرية جديدة بوقفته الطلالية هذه حيث يقيم جسرا تواصليا مع صفة التراث إلا أنه لا يلبث أن يلج ضفة الحداثة ليطأ أرض العصرية بما يستخدمه من قوالب حداثية تعبيرا عن تجربته وبما يوجهه إليه تمايز التجربة، واختلاف أحوال الزمان والمكان إلا أن الوقفة الطللية تتخطى حدود رثاء دارس المكان واصحابه الزاهبين لتؤول إلى لحظة كشف يتوحد فيها الشاعر بالطلل وبالتجوال في ربوع ديوان حجازي «طلل الوقت» نجد معالم طللية شاخصة عبر أرجائه، إلا أن طلل حجازي طلل وجودي مشحون بحمولات نفسية فينعي الديوان خرابا ألم بالمدينة وفقدا عايشته إذاء هجمة عاصفة اجتاحتها مما افقد المدينة كينونتها.. فيبرز الفناء عبر عدة وجود منها ما هو مادي مغلف بطبقات رمزية حيث زال الشجر عن المكان كما نلحظ في قصيدة «طلل الوقت» ونلحظ أيضا في الديوان محاولة استعادة الموتى واستحضارهم لتتجاوز مجرد الحنين اليهم إنما هي ممارسة نفسية وحيلة دفاعية تتقوى بها على ضعف وشائج التواصل مع أهل هذه الحياة، وفي رثاء الذات الشاعرة لحال زمان بغيض يعرج حجازي في احدى قصائد الديوان «خارج الوقت» على تلك العلاقة القوية بين الزمان والوقت وصراع الذات معهما من حيث ان الزمان كل لا متناه من الوقت موسوم بالأزلية والأبدية بينما الوقت هو مقدار معين من ذلك الزمان، وهنا يجيء التقابل بوصفة من اكثر التراكيب ورودا في الخطاب الأدبي عموما والشعري خصوصا ليعكس عالما زاخرا بأضداد متجادلة يزداد جلاء كل ظرف منها بحضور ضده ولعلنا نلحظ أن حجازي سبق وان أطل علينا من مدونة من قبل مواضع سابقة كما في قصيدة «مرثية للعمر الجميل» من ديوانة الرابع الحامل عنوان القصيدة المنظومة في رثاء عبدالناصر في سبتمبر 1971: ورحلت وراءك من مستحيل إلى مستحيل: وفي قصيدة «لمن نغني» كلماتنا مصلوبة فوق الورق/ وأنا أريد لها الحياة فوق الشفاه /تمضي بها شفه إلى شفه... فهذا التداول الوحدوي للمتماثلات يعكس حالة البينيه (البين بين) التي تدور فيها حركة الذات كذلك فقد لا يكون الموقف البين بين متماثلين، بل بين ضدين كما في «مرثية لاعب سرك» حيث وقوع الذات بين الحياة والموت، حيث تحمل هنا الضمائر بوصفها بعض شرايين الخطاب الشعري كرات الدلالات النصية الجارية عبرها، ونلحظ في «طلل الوقت» تنوع ضمائر القصيدة في كل قصيدة، توزيعا لشحنات الدلالة المثبوتة عبر النص.