يعتبر الأديب والمفكر والسياسي والوزير الراحل السيد حسن محمد كتبي من جيل الرواد في المملكة العربية السعودية في مجال فن السيرة الذاتية. وهو أديب ومثقف مكتمل الأداء وله مشاركات في حقل الثقافة العامة، وصاحب نزعة إسلامية يضطلع بها في كثير من البحوث والاستنتاجات. وُلد الراحل حسن كتبي في مكةالمكرمة سنة 1329ه، وتلقى معارفه بمدارس الفلاح، وفي سنة 1348ه سافر إلى الهند في بعثة لدراسة العلوم الدينية بمدينة بومبي على حساب الراحل الحاج محمد علي زينل مؤسس مدارس الفلاح، وفي سنة 1352ه أتم دراسته ونال الشهادة وعاد إلى مكة. تولى رئاسة تحرير جريدة «صوت الحجاز» بعد عودته من الهند، ثم لم يلبث أن استقال منها، وفي سنة 1353ه عُيِّن مدرّسًا بقسم تخصص القضاء الشرعي بالمعهد الإسلامي السعودي، وفي سنة 1354ه عهدت إليه مديرية المعارف أمر تنظيم مدرسة الطائف الحكومية، حيث عُين مديرًا لها فنظمها على خير ما يرام، وفي سنة 1359 عُين محررًا بديوان الأوراق بوزارة المالية، ثم استقال واشتغل في الأعمال الحرة مع شقيقه السيد سامي كتبي. وفي سنة 1390 صدر الأمر الملكي بتعيينه وزيرًا للحج والأوقاف. وللأستاذ السيد حسن كتبي مشاركات فعالة في الأدب، حيث أخذ يكتب في الصحف والمجلات، ويجود على شباب الجيل بأفكاره وآرائه في الأدب، وقد ألّف عدة كتب، ومنها كتاب بعنوان «الأدب الفني» والذي كانَ له أعظم الوقع في نفوس الأدباء، وكذلك كتابه «هذه حياتي» الذي سرد فيه سيرة حياته كاملة. وعن عمر (104 أعوام) انتقل السيد حسن محمد كتبي إلى رحمة الله تعالى في المدينةالمنورة ودُفن بها يوم الخميس 15 ربيع الثاني 1433ه، الموافق 8 مارس 2012م، وقد دُفن في المدينةالمنورة بناء على وصيته بعدما قضى فيها سنواته الأخيرة.. من أقواله: * «الإسلام عقيدة ونظام.. فالإسلام عقيدة روحية ونظام حياة، وهو في حدود العقيدة إبراز للفضائل الإنسانية الكامنة في الفرد وصقلها وتغليبها على النزوات الفاسدة.. والهوى الطائش.. لإيجاد مجتمع يتألف من أفراد نافعين تربط بينهم الروابط الإنسانية على مستوى الفضائل والكمالات جهد المستطاع، كما أنه نظام حياة ينظم علاقات الأسرة والمجتمع، كما ينظم السلطات في الأمة تنظيمًا يكفل لها الحرية والحياة السعيدة ضمن النظام الطبقي الذي يقره هذا المبدأ العظيم». * «الملك فيصل رحمه الله كان أبرز نجم سياسي ليس في المملكة والبلدان العربية والإسلامية فحسب، بل كان أبرز نجم سياسي لامع في أوروبا أيضًا.. ولقد عبّر عن مقام الملك فيصل الرئيس الفرنسي «شارل ديغول» حين وصفه بقوله أنه: (رجل فذ من الصحراء تشعر وأنت في حضرته بأنك أمام عالم جديد تمامًا غير متوقع ورؤية سياسية للأمور لم يسبق أن عرفتها بأي قائد).. هذا هو الملك فيصل رحمه الله». * «لفظ (الأدب) يعني في اللغة العربية الظرف والتهذيب وترويض النفس على الأخلاق والفضائل.. وأما مفهوم الأدب في الاصطلاح العام فإنه يعني الكلام الجميل المعبّر عن عاطفة أو غرض من الأغراض المعروفة في فنون الأدب شعره أو نثره تعبيرًا يتمشى مع أصول البلاغة المتعارف عليها.. والأديب هو الشخص المثقف المتضلع باللغة وفنونها وطرق عرض الصور والمعاني والأفكار على أساليب رفيعة تطرب النفس وتنعش الحس». قالوا عنه: * الدكتور عبدالله مناع: الراحل حسن كتبي كان كاتبًا متواضعًا من جيل الرواد في مجابهة العلم في زمن قلّ فيه الكتاب والقراء، وعندما أقول من الرواد أعني انه في القائمة الثانية مع الأديب حسن قرشي بعد قائمة الرواد الأوائل وهم بالطبع محمد سرور الصبان ومحمد حسن عواد رحمهم الله، ولقد دوّن الراحل حسن كتبي مذكراته في كتابه الذي حمل عنوان «هذه حياتي»، ولذا في رأيي أنه كتب حياته مبكرًا جدًا، ولو كان أورد الخلاف الذي كان بينه وبين الصبان لكان ذلك أجمل وكان ذلك الخلاف جميلًا جدًا، وكنت أسأل عنه يرحمه الله مؤخرًا لأنه كان فعلًا قليل الكتابة، وهو أيضًا يرحمه الله كان له بعدُ إسلامي في كتاباته وتوجيهاته متواضعًا طيبًا.. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. * الدكتور عاصم حمدان: برحيل الأستاذ حسن كتبي تُطوى آخر صفحة من صفحات جيل الرواد الذين أتى على ذكرهم كتاب «وحي الصحراء» الذي ألفه محمد سعيد عبدالمقصود خوجة وعبدالله بالخير وآخر هذا الجيل، ومن المحطات الهامة في حياة السيد الكتبي أنه درس في المعهد العلمي السعودي الشريعة الإسلامية وكان المعهد العلمي السعودي بمثابة جامعة في تلك الأيام وأيضا لكتاباته في صوت الحجاز عند ترؤسه للتحرير عام 1352ه ولكنه لم يستفد طويلا لأنه اختلف مع ناشر الصحيفة محمد حسين نصيف حول بعض الموضوعات فقد أخبرني بنفسه شخصيًا -حينما كنت أقابله بين الحين والآخر- بأنه قدم استقالته بسبب تدخل صاحب الجريدة في تلك الأيام حيث كانت صحافة أفراد وكان صاحب الجريدة يملي كثيرًا من آرائه على رئيس التحرير والمسؤولين عن التحرير في السيتينات هجرية، وبعد ذلك وبدعم وتوجيه من الملك فيصل رحمه الله أضحى حسن كتبي يمثل المملكة في الاتحاد العالمي لمكافحة الشيوعية هو ومعالي الشيخ أحمد صلاح جمجموم يرحمه الله وبذلا جهودًا مضنية كبيرة في هذا الجانب، ولعل هذا المضمار هو الذي هيأه بأن يُعين وزيرًا للحج في تلك الفترة وظل فيها لمدة، واعتقد أنه واتساقا مع السياسة العامة المناهضة للشيوعية والداعية إلى وحدة إسلامية قام الراحل حسن كتبي بتغيير مسمى مجلة الحج إلى مسمى مجلة التضامن الإسلامي ولم يتعدّل الاسم إلا في عهد الدكتور محمود سفر عندما كنت مستشارًا له في تلك الفترة عندما جاء للوزارة عام 1416ه وعاد المسمى إلى اصله الحقيقي وهي مجلة الحج.. والحقيقة أن السيد الكتبي يعتبر شخصية محورية في الحياة الفكرية والثقافية والاجتماعية في البلد، ولاشك بأننا برحيله نفقد عالمًا كبيرًا وعلمًا رائدًا وكاتبًا وأديبًا.. رحمه الله. * الدكتور عبدالله الحيدري: الأديب الراحل حسن كتبي من الجيل الرائع مع زملائه حمزة شحاتة وغيرهم، وهو يعد مؤسسًا ورائدًا من رواد الكتابة التنويرية، ونجمًا لامعًا في صحيفة «صوت الحجاز».. مسؤولًا وكاتبًا، وكانت له مقالات مبكرة رائعة تنم عن ثقافة واسعة، فهو من أوائل من اهتم بالأدب القديم ورائده في ورود المصطلحات النقدية، وأيضًا يعد من أوائل من كتب جنس السيرة الذاتية، وكتابيه «هذه حياتي» و»أشخاص في حياتي» قام بجمعهما رحمه الله في كتاب «هذه حياتي»، ولقد تعمّقت في هذه الكتب جميعًا من خلال دراستي للماجستير في الأدب العربي، ومن المناسب ذكره هنا أن الأديب أحمد السباعي هو الوحيد مع حسن كتبي اللذان يعتبران رواد فن السيرة الذاتية في المملكة، وأنا أدعو بعض الأندية الأدبية إلى تنظيم ندوات ومحاضرات عن الأديب والكاتب والمسؤول حسن كتبي.. وأتقدم بالعزاء لأسرته وأيضًا للساحة الثقافية.. يرحمه الله وأسكنه فسيح جناته. * محمد الحميد: يعتبر الراحل حسن كتبي من رموز الأدب والثقافة، فلقد أثرى الساحة الأدبية بعلمه وخدمة دينه ووطنه، وقد فقدت المملكة برحيله واحدًا من أبنائها الأوفياء المخلصين المتعدّد المناقب والمواهب مما يجعل عزاءنا كبيرًا في الأديب الراحل حسن كتبي متعدّد المهارات الثقافية والسياسية منذ وقت طويل، حيث ملأت كتبه القيّمة المكتبات في الشعر والثقافة، ولقد تقلد العديد من المناصب القيادية في الدولة وكان خير مسؤول عرفناه، وقد اُتصف بالنزاهة والإنتاجية والتفاني في العمل، بالإضافة إلى إثرائه الساحة الأدبية والثقافية بما قدمه من أعمال. * الدكتورة عائشة الحكمي: الراحل حسن كتبي إنسان مثقف يتمتع بوعي ومسؤولية تجاه العلم والمعرفة وطلاب العلم تكاد تكون نادرة، ولقد عرفته منذ أن كنت أعمل على إنجاز بحثي للماجستير عن السير الذاتية للأدباء السعوديين، وكان لي الشرف في التعرّف إليه وقد سعدت بأن أراسله وأتحدث معه عبر الهاتف، وما إن وصلني خبر انتقاله إلى جوار ربه حتى لاح في أذني صوت ذلك المثقف الخلوق والمفكر الوطني النبيل، ثم اتجهت إلى ملف رسائل أدباء بلادي لأعيد قراءة رسالته إليّ والتي دائمًا أمرّ عليها وأتفحص خطه وكلماته والتي لا أستطيع وصف أهميتها وقيمتها.. لقد كان الراحل حسن كتبي بحق أهم مفكر وطني بكل الأبعاد وخير شاهد مؤلفاته «هذه حياتي- نظرات ومواقف- صفحات مطوية من حياتي» وغيرها من الكتب التي أفصحت عن أفكاره النيرة الإصلاحية المتقدمة.. رحمه الله رحمة واسعة. * الدكتور عبدالله حامد: رحم الله هذا العلم الكبير الذي وقف أمام العالم عام 1396ه ليعيد الاغتراب الذي يعيشه الإنسان إلى «جاهلية العلم» وكأنه كان يعي بتأمل عميق كيف يتحوّل العلم أحيانًا إلى نفق مظلم إذا نُزعت عنه الروح الإيمانية، وهو ما زلنا إلى الآن نخشى عواقبه وكوارثه ليس من خلال الانفصام الكامل فقط بينهما، بل من خلال الحذر من تكرار كوارث علمية حربية لا يعلم خطورتها إلا الله بعد أن تجاوز العلم وأنجز في ظل تغييب للروح الإيمانية، ورحم الله هذا العلم حين كتب عن بعض الشخصيات وكان واضحًا ومباشرًا حين أشار إلى أنه يكتب عنها من خلال ذاته هو، لا من خلال حقيقتها، وهو وعي كبير وصدق ووضوح مع النفس ومع القراء.. لقد كان حسن كتبي رائدًا من الرواد الذين استشعروا منذ سنوات طويلة سوء الجمود الفكري، وسوء الانفلات والضياع والاغتراب، والسؤال ماذا عسانا نصنع بإرث هذا الرجل وكتاباته التي سجلت مرحلة مهمة من تاريخنا الثقافي والأدبي؟.