سوريا ارتبطت بإيران منذ زمن طويل، واستطاعت أن تلعب على الحبلين، رجل في معسكر إيران، ورجل في التجمع العربي. حزب البعث بشقيه العراقي والسوري فشل في توحيد موقع سوريا خلافًا لشعاره القومي الذي تغني به ردحًا من الزمن لتضليل عدد كبير من شباب الأمة. ومع مرور الوقت وتكرار الأزمات في المنطقة عملت إيران على توثيق علاقاتها بسوريا، حيث زرعت حزب الله في لبنان تمده بالسلاح وتستخدمه لزعزعة أمن الدول العربية. حافظ الأسد كان شديد المراس، استطاع أن يوازن بين الكفتين لخدمة المصالح السورية، ولكنه تجاهل موضوع التنمية، واستمرت سوريا الغنية بمواردها الطبيعية، وتراثها الحضاري، وشعبها الحي أقرب للتخلّف منها إلى المعاصرة. وبعد حافظ الأسد اعتقد الكثيرون بأن الوضع سيتغيّر عندما تولّى ابنه الذي ورث السلطة بشحطة قلم! عندما عُدّل الدستور، ونُصّب طبيب العيونبشار خلفًا لوالده. استمرت القوى الموالية لإيران في التقدم على حساب العلاقات العربية. دول الخليج أغدقت على النظام السوري في أيام الرخاء والشدة بدون حدود، وبدون شروط أيضًا؛ لأنها لم تكن تتوقع أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه من بداية انتفاضة الشعب السوري الذي لم يعد يطيق الصبر بعد موجة الربيع العربي. كل المحللين السياسيين ظنوا أن بشار الأسد أعقل من القذافي.. وأن الاتّعاظ من هروب بن علي، وتنحي حسني مبارك، وسقوط القذافي، وتخلّي على صالح عن السلطة.. فيه الكثير من الدروس المستفادة، ولكن ذلك لم يحصل لأن الأنظمة المستبدة تُصاب بعمى البصيرة عندما تشتد عليها الأزمات، وتلجأ إلى العنف دون أن تراعي بأن الزمن غير الزمن.. وأن ما كان ممكنًا في الخفاء سابقًا أصبح غير ممكن في حضرة العالم الافتراضي الشفاف، حيث تنقل كل الأحداث بأدق تفاصيلها إلى كل بلد، وكل بيت. من الواضح أن المرحلة الحالية حبلى بتوقعات محلية وإقليمية ودولية. المحلية يترتب عليها فصل سوريا عن إيران، وعودتها لمكانها الطبيعي في الصف العربي، وسيطال ذلك -إن حصل- الوضع في لبنان وغزة. والإقليمية تتعلق بما حصل في انتخابات تونس ومصر، وتولي الأحزاب الإسلامية السلطة في تلك الدول، ولو أن المعارضة السورية لازالت توجهاتها متباينة، وهذا ما يقلق المجتمع الدولي من النتائج عندما يسقط النظام السوري. أمّا الجانب الدولي فيعيد فكرة الحرب الباردة، والتنافس على النفوذ في المياه الدافئة بنفطها، وأسواقها، وثرواتها الطبيعية الأخرى، ولذلك نرى أمريكا، وكذلك أوروبا مترددة في الإقدام على دعم المقاومة على نفس المنوال الذي حصل في ليبيا.. وروسيا والصين اتخذتا قرار الفيتو في مجلس الأمن، وهي تعي أن احتمالات سقوط النظام السوري أكثر من احتمالات بقائه.. ولكن مصالحها اقتضت التدخل حتى تضمن مكانها في التركيبة الجديدة التي ستفرزها الأحداث في العالم العربي. والاحتمال وارد بقدر كبير بأن إسرائيل موجودة في داخل الصراع السوري حتى تضمن إحداث أكبر ضرر وأقصى ما يمكن من الدمار لمقومات سوريا -الدولة والوطن- من أجل إضعاف خصم عنيد رفض صلح كامب ديفيد وغيره من المحاولات، والإصرار على الشرعية الدولية التي تنص على انسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية التي احتلها في حرب 1967م، وعودة اللاجئين حسب قرارات الأممالمتحدة. أمريكا لا يعجبها هذا الموقف، وربما تطمع في لوي ذراع الأسد في ذروة أزمته الحالية للتخلّي عن مواقفه السابقة مقابل بقائه في السلطة، حتى ولو لفترة وجيزة، تبرم خلالها كامب ديفيد جديد مفصل على مقاسات المصالح الإسرائيلية، وربما بمباركة القوى العظمى التي تخشى من إيران وإسرائيل لجر العالم إلى حرب عالمية ثالثة، تستخدم فيها أسلحة دمار شامل، وتكون النتائج كارثية بكل المقاييس. النظرة العربية لما يحصل في سوريا عاطفية أكثر منها واقعية؛ لأن القتل والدمار الذي يحصل لشعب مسلم، وفي بلد عربي معيب، ومخيف، ولا إنساني.. ولكن المطالبة بتدخل أجنبي قد يؤدي إلى ما هو أسوأ من ذلك.. حرب أهلية، ودمار شامل تطال أبعادها دولاً أخرى في المنطقة ،والمستفيد الأكبر إسرائيل التي تربض على ترسانة نووية ومن ورائها أمريكا بكل ما تملك. الوضع يتطلب اقتناع الأطراف الفاعلة والمؤثرة روسيا، وأمريكا، وأوروبا، والعرب.. بخروج الأسد وأعوانه من السلطة، من خلال إسقاط الحل اليمني على الحالة السورية.. ومن بعد الالتفات لتغيير سلوك إيران تجاه جوارها العربي بشتى الوسائل دون النزاع المسلح.