إن الغاية العظمى من إنزال الله القرآن الكريم هو عبادة الله وحده لا شريك له، وإقامة دينه الذي ارتضاه الله لعباده، والحُكْم والتحاكم إليه في جميع شؤون الحياة، والتقرب إليه سبحانه بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} (29-30) سورة فاطر. وقال تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ} (91 - 92) سورة النمل. وقد أمر الله بتدبر كتابه فقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد. وذم الذين لا يسجدون عند تلاوته فقال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (21) سورة الإنشقاق. ومن فضل الله ورحمته أن جعل هذا القرآن محفوظاً بحفظ الله له، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر. ومن وسائل حفظ الله لكتابه العزيز أن يسَّر الله تلاوته وحفظه في الصدور، وأعان على ذلك لمن أراد أن يتذكر ويتعظ، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } (17) سورة القمر. والاهتمام بكتاب الله تلاوة وحفظًا وتفسيرًا واجب الأمة الإسلامية جمعاء. وقد وعد الله حَمَلة كتابه العظيم بالهداية والأجر ورفعة الشأن، والتميز في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9) سورة الإسراء. وقال تعالى: {الم. ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ. والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(1 - 5) سورة البقرة. والأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الترغيب في تلاوة القرآن والمداومة على ذلك وعظيم الأجر المترتب على تلاوته وفضل أهله العاملين به كثيرة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب» أخرجه البخاري ومسلم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة» أخرجه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» أخرجه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار» الحديث رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه» رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده» رواه مسلم. وإن مما يحفز الناشئة من البنين والبنات على حفظ كتاب الله العزيز ما هيأ الله له من ولاة أمر هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية ومن علمائها وأهل الخير فيها للاهتمام بكتابه والاعتناء به، وتأهيل ناشئة هذه الأمة على حفظ أعظم كتاب أنزله الله على البشرية القرآن الكريم، ومن أهم ذلك تكريمهم وتقديرهم لحفظة كتاب الله، وتشجيعهم ماديًا ومعنويًا؛ فأقاموا المسابقات المحلية والدولية، ورصدوا الجوائز القيّمة للحافظين والحافظات، وبذلوا في سبيل ذلك الأموال الكبيرة بسخاء. ومن أهم ما يُذكر في هذا الشأن ما قامت به وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة الإرشاد مشكورة مأجورة من تنظيم المسابقة الرابعة عشرة لمسابقة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم للبنين والبنات، برعاية كريمة من مؤسس الجائزة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه. سائلاً الله - جل وعلا - أن يكتب لسموه أجر ذلك موفورًا في صحائف أعماله، وأن يجزي وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد على ما تبذله من رعاية واهتمام بمثل هذه المسابقات القرآنية الخيرية، كما أسأله أن يديم الخير والبركات على بلاد المسلمين عامة، وهذه البلاد خاصة، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. * عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء