* كنت ولازلت وأحسب أن عديدين من أبناء مجتمعنا السعودي مثلي؛ يتساءلون عند انعقاد كل ملتقى «للحوار الوطني» عشرات الأسئلة التي في أحيان كثيرة لا تجد من يفسرها، من مثل لمن يوجه الحوار؟ ومن الذي يوجهه؟ ومن هم الذين يديرونه؟!. * في الملتقى الحالي كنت أستمع إلى إحدى الجلسات ويبدو أنها المخصصة «للحرية الإعلامية» وذلك من إذاعة البرنامج الثاني في جدة فثارت في نفسي شجون وتساؤلات من أهمها التعجب من إدارة الحوار، فالذين استمعت لهم وهم يديرون الحوار طغت في طريقتهم «الرسمية» سواءً في التناوب على «الإدارة» أو في تخصيص الوقت الذي وصل إلى أن يكون دقيقتين لكل مشارك؟. ومنذ أن بدأت جلسات «الملتقى» في عام 2003م وأنا أتساءل كيف يمكن لأشخاص تعدوا في سنهم العمري المرحلة الحالية وأصبحوا فقط خبرات يمكن الاستفادة منها في الاستشارات لا الإدارة والتنفيذ، كيف يمكن لهم أن ينتجوا «حواراً» فاعلاً في زمن تسيطر عليه الروح الشابة سواءً في الأشخاص أو أدوات التقنية. * إضافة إلى هيمنة العقلية التقليدية في طريقة الحوار والنقاش فمعظم المشاركين، ولا أقول المحاورين وسأوضح ذلك، يعيدون ويكررون مقولات لا تقدم أو تؤخر إطلاقاً في تحقيق شيء أو إحداث فرق. من ذلك على سبيل المثال إلقاء المسؤولية على هذه الجهة أو تلك ومطالبتها «بدور» لتغيير مفاهيم عند هذه الشريحة أو تلك. * هذه التقليدية أعرف أنها إفراز طبيعي «للسلطة الأبوية» التي عاشها مجتمعنا بكل أطيافه ممارساً أو مُمارساً عليه وهي ما دفعت المشاركين إلى التوقع بأن على هذه الجهة كوزارة الثقافة والإعلام مهمة «تغيير» ما هو سائد أو إحداث فرق في مستوى التفكير. وغاب عن هؤلاء أن الفكر «حر» لا تؤطره قيود ولا تحده عوائق كما يقول القرآن: «وفي أنفسكم أفلا تبصرون»، وقد كان بإمكان الحق سبحانه وتعالى أن يخبرنا عن كل صغيرة وكبيرة في تركيب ذواتنا ولكنه ترك للبشر أن يفكروا في معاشاتهم وشؤون حياتهم. أي أن المعاملات مجال للحركة الذاتية من تفكير وتأمل وتنفيذ، أما العبادات فمعظمها «إيماني» موجه ومحدد سلفاً. * الحوار الحقيقي هو ما نراه اليوم من خلال وسائل الإعلام الجديدة التويتر والفيس بوك والواتس أب رغم كثير من الغث، لأنها انعكاس فعلي للتفكير المجتمعي العام وبطريقة غير «رسمية»، بل هو حوار تفاعلي يتيح للإنسان الوقت والزمن الكافي لإبداء رؤيته موافقاً أو معارضاً، مستقلاً أو مشاركاً، أما أن يكون مؤطراً كما هو حال الملتقى، فهذه مشاركات وليست حوارات، وكل مشارك أو مشاركة ليس له هم سوى الحديث في الميكرفون حتى وإن لم تتعدَ دقائق حديثه الدقيقتين، وهو ما يستدعي إعادة نظر شاملة ليتم تأسيس حوار حقيقي بكل تفصيلاته إدارةً وتنفيذاً ومشاركة.