السائل (أبو سليمان): لديّ سؤالٌ أودُّ الإجابةَ عنه في زاويتكم الموفّقة، هل الرّوح مؤنث، أم مذكر؟ واسمح لي بسؤال آخر يتعلّق بالرّوح يحيّرني كثيرًا، وهو: كيف يبقى الإنسان حيًّا وهو نائم، مع خروج الرّوح؟ الفتوى 11: أفهمُ من سؤالك أنّك تسألُ عن الرّوح التي بها حياة البدن، واللّغويون يذكرون الوجهين، ومنهم مَن يقول: الأصلُ التذكير، ويجوز التأنيث، وإنّما كان الأصل التذكير لكثرة الشواهد عليه، وله معانٍ في القرآن مبثوثة في كتب التفسير تبلغ عشرين أو تزيد، والمتيقّن من صحته منها أنّها أطلقت في القرآن على الرّوح التي بها حياة البدن، وعلى جبريل، وعلى النفخ، وعلى الوحي، وجمعتُ ما قِيل في ذلك في كتيّبٍ لي عن بحث منشور، اسمه: (معاني الرّوح في القرآن الكريم). وقال ابن القيم: لم يرد في القرآن لفظ الروح بمعنى النّفس، والصّواب أن ما قاله غير صواب، وعليه الجمهور. وأمّا سؤالك الثاني؛ فليس بمحيِّر ما سألتَ عنه، إذا أيقنتَ بطلاقة القدرة، وعجزنا نحن البشر عن إدراك ما لا تبلغه عقولنا، فإنّ عقولنا لم تقدر على معرفة أسرار مخلوقات مدركة بالحسّ، فكيف بمخلوق لا ندركه بأيِّ نوعٍ من المدركات، كالرّوح التي هي من أمر ربّنا سبحانه، وما عَجْزُ الإنسان عمّا لم يبلغه علمه إلاّ كعَجْزِ النملة عن تصنيف كتاب، أو صنع طائرة، أو بناء قصر، أو صنع دواء، أو صولةٍ على أسدٍ، فربّنا سبحانه أخبر بقبض الأنفس حين موتها، وبقبضها حين تنام، فأمّا التي حكم عليها بالموت فيمسكها، وأمّا النائمة فيطلقها، وكيفية ذلك لا نعلمه، ولا يلزم من ذلك أن تفارقَ الرّوحُ الجسدَ مفارقة كليّة، وقد ضربتُ لذلك مثلاً بالهاتف الجوّال حين يكون على خدمة (موجود)، تبقى فيه خصائص استعماله من اتصال وإرسال، وبعض أنواع الاستقبال، ومَن يتّصل به يظنّه مقفلاً معطّلاً من ذلك كله، وما هو بمعطّل، ولولا أنّ عقولنا قد اعتادت على العجائب المتلاحقة لكان ذلك من المحيّرات، وقرأتُ في آخر كتاب (شرح الصدور في أحوال الموتى والقبور) للسيوطي: أنّ العزّ بن عبدالسلام السلميّ كان يقول بأنّ لكل إنسان روحين، وذكر في ذلك تفصيلاً لم يذكر له دليلاً، ولعلّه أشكل عليه معنى آية (الزمر). وشكرًا لك أبا سليمان، على سؤالك المناسب لروحانية رمضان.