في مثل هذه الأيام كان بين ظهرانينا موسيقار عملاق لم ينل منا ما يستحقه من تقدير لا لشيء ولكن لعدم قدرة ذوقنا المتواضع على الوصول إلى شواهق ذوقه العالي وحسه المتنامي، رحل عنا بطريقته الانسيابية تاركًا وراءه فراغًا وهوة فنية واسعة لا أعتقد أن هناك من يستطيع أن يملأها مع احترامي لكل الاسماء الموجودة، فهذا الفنان حباه الله موهبة موسيقية غير عادية استطاع وبكل اقتدار أن يصدرها إلى خارج حدود الوطن العربي، ولم يكتف بذلك بل فرضها على الردهات الأوروبية ليعلن لذلك العالم الخارجي بأن العرب يملكون حسًا راقيًا وإبداعًا خارقًا صدح بألحانه أكثر من فنان وترك إرثًا لا يسعه مكان. كان الموسيقار حامد عمر لطيف المعشر، مفرطًا في أناقته، حميمًا في تعامله؛ مما جعل الكل يلتف حوله، فقد كان صديقًا مقربًا لكبار رجال المجتمع السعودي، كانت أمسياته التي كان يقيمها في منزله تضم الشيخ أحمد زكي يماني، واللواء الركن أنور ماجد عشقي، والشاعر الكبير رحمه الله محمد حسن فقي، والوجيه المعروف عبدالرؤوف خليل رحمه الله ، والكاتب الإسلامي المعروف نجيب عصام يماني، وأستاذ اللغة العربية والدراسات العليا بجامعة الملك بعدالعزيز بجدة الدكتور محمد خضر عريف، والكاتب الكبير محمد صلاح عبدالجواد، والشاعر الفذ أحمد سالم باعطب رحمه الله، والقاص محمد علي قدس، وغيرهم من الأعيان. وذات ليلة تلقيت منه دعوة كريمة لحضور بعض أمسياته الثقافية في منزله العامر بوجود هؤلاء الكوكبة من الأعيان، وكنت سعيدًا في تلك الأمسية التي لا شيء فيها سوى شؤون الأدب والادباء وعالم الشعر والشعراء وأخبار ونوادر النجباء. كما أنه استضافني مرة أخرى في جلسة خاصة وأسمعني بعض سيمفونياته الحزينة الباكية فتأثرت من عزفه الباكي ولم أتمالك نفسي وذرفت دموعي وطلبت منه الاستئذان بالخروج على أمل أن اقوم بزيارته مرة أخرى وقد أُلهمت بنظم هذه القصائد المستوحاة من تلك الجلسة: شادي الجراح هل أسمعتني نغما يضمد الجرح فعزفك ضل أحلامي شدو الحنين إلى الأحباب مزقني وأنا محب وقلبي في الهوى دامي هذا المقام له وقع يجرحني وأنا جراحي قد ناحت بأقلامي كف النواح يا من نغمه شجن ليس النواح مزماري وأنغامي إني سئمت من الأحزان فأسمعني لحنًا يبدد أحزاني وآلامي وارفق بصب ما بات له طرف عشق السهاد يرقب زورة الرامي وغدى يناجي فتانا لواحظه تسبي القلوب وتروي لهفة الظامي يا عازف الشوق للعشاق معذرة إن كان عزفك ما راق لإلهامي وعندما أسمعته هذه القصيدة تليفونيًا قال لي لا تلمني يا عزيزي فما أسمعتك إياه من لحن باك ما هو سوى صدى جرحي ونزيف إحساس على وطني العربي المسلوبة بعض أجزائه وهو بعض منا. رحمك الله أيها الفنان وألهم أهلك ومحبيك الصبر والسلوان. (*) عضو النادي الأدبي بجدة / عضو اتحاد كتاب:مصر