دار الحديث بين الحاضرين وهم نخبة من العلماء وطلبة العلم وعدد من المسئولين حول مجموعة من القضايا الاجتماعية المعاصرة، منها مسألة زواج القاصرات وقيادة المرأة للسيارة وتنفيذ حكم القصاص في من ارتكب جريمته وهو « طفل « والجلد المفرط، وهي قضايا كثيراً ما تثار في المحافل الدولية وتوجه بسببها الانتقادات إلى المملكة. قال المتحدث الضيف إن أيا من هذه الأمور لا ينبغي أن يشكل قضية مستعصية الحل، ففي مسألة زواج القاصرات ومع أن الشرع الحنيف لم يحدد سناً للزواج، كما لم يحدد جنسية للزوجين المسلمين، إلا أن من المعروف أن المواطن السعودي لا يستطيع الاقتران بأجنبية بدون إذن خاص تصدره السلطات الرسمية بشروط وضوابط معينة، وأن هذا التقييد للحلال مقبول شرعاً بناءً على ما رأى ولي الأمر أن فيه مصلحة عامة للأمة، ولذلك فإن من الممكن أن يصدر ولي الأمر قراراً بربط الزواج بمن كانت دون سن معين بإذن خاص يصدر عن جهة مسئولة، قضائية كانت أو إدارية، بعد دراسة كل حالة بحالتها ومعرفة الظروف والأسباب التي تدعو إلى السماح بهذا الاقتران أو منعه. الأمر نفسه ينطبق على مسألة قيادة المرأة للسيارة، حيث قال الضيف إن كثيراً من العلماء يتفقون على أن قيادة المرأة للسيارة ليست محرمة في حد ذاتها، ولذلك فإن مسألة تقويم المنافع وموازنتها مع المفاسد التي يمكن أن تنجم عن السماح للمرأة بالقيادة تصبح مسألة تقديرية ينبغي أن يعود الفصل فيها إلى ولي الأمر وله أن يستعين في ذلك بمن يشاء من الخبراء والمتخصصين في علوم الاجتماع والمرور وأن يضع لها من الشروط والضوابط ما يساعد على الحد من المفاسد، أما إن رفضنا قيادة المرأة على إطلاقها بحجة درء المفاسد فإن ذلك قد يستوجب النظر في منع القيادة عن فئات كثيرة من الرجال للسبب ذاته، وهو ما لم يقل به أحد. تتمة ص(18) أما تنفيذ حكم القصاص في من ارتكب جريمته وهو طفل بموجب الاتفاقيات الدولية التي تعرف سن الطفولة بكونه يمتد إلى سن الثامنة عشرة فلقد قال ضيفنا إن من المتعارف عليه شرعاً أن الحدود تدرأ بالشبهات، وإن ما من فتى يافع يمكن أن يرتكب جريمة كبرى كالقتل ما لم يكن في تربيته أو نشأته أو ظروفه الأسرية خلل جسيم يدرأ به الحد، وأنه لئن كان الفتية في الأزمان الغابرة ينضجون ويمارسون أدوارهم الرجولية ويتحملون مسئولياتها في سن مبكرة، فإن أحوال زمان اليوم قد تغيرت، الأمر الذي يستوجب على القاضي الحصيف أن ينظر في حالات هؤلاء الفتية وأن يبحث عن الظروف المخففة التي تستدعي تجنب إيقاع القصاص، فإن لم يستطع القاضي أن يجد مثل هذه العوامل وجب عليه أن يتنحى عن النظر في القضية وأن يستدعى إليها قاض أكثر إلماماً بالعوامل الاجتماعية والإنسانية والسلوكية. وأخيراً كان البحث في مسألة الجلد المفرط بمئات الجلدات أو حتى بالآلاف في بعض الأحيان، وهنا استرجع الضيف أن الشرع الحنيف قد وضع عقوبة الجلد في أربع حالات محددة، وأن الحديث النبوي الصحيح قد نص على ألا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله، وأن لدى القضاة كثيراً من البدائل التي يمكن استخدامها عوضاً عن الجلد مثل العقوبات المالية أو السجن أو التغريب أو الخدمة العامة الاجتماعية، فضلاً عن أن عقوبة الجلد التعزيرية هي عقوبة رمزية ولا تهدف إلى الإيذاء البدني بدليل أنها لم تتجاوز الثمانين جلدة حتى في الحدود، ولذلك فإن من الأولى أن يلتزم القضاة الأفاضل بنص الحديث الشريف الذي حدد عقوبة الجلد التعزيرية بما لا يتجاوز العشر جلدات. لقد خرجت من هذا الحوار وأنا أكثر اطمئناناً وثقة بأن الشريعة الإسلامية فيها الدر المكنون وأكثر تفاؤلاً حول قدرة علمائنا على استنباط مقاصد الشريعة ومراعاة مستجدات العصر وظروف العالم الذي نعيش فيه ونتعامل ونتفاعل مع عناصره ومكوناته. للتواصل: [email protected] فاكس : 6901502/02