من تلامذة الدَّاعية المجدِّد عبدالله بن محمد القرعاوي -رحمه الله- في دعوته في جنوب المملكة الشيخ إبراهيم بن حسن الشَّعبي -رحمه الله- الأديب والمثقَّف الشَّاعر، الذي اشتهر بشاعريَّته، وموهبته في القريض، وسرعة بديهته، وغوصه في المعاني، والتقاط أبدع الصُّور الشِّعرية، التي تضارع صور المتقدِّمين من فحول الشُّعراء، وكان الشعبي لا يحبِّذ نشر قصائده، ولا يهتم بجمعها في دواوين، بل كان يبتعد عن الأضواء، ويحب الجلوس مع عامة المجتمع في مجلسه في "صامطة" ليستمع إلى قضاياهم، ويحل مشاكلهم، ويصلح بين الخصوم، ويجمع بين المتقاطعين. وفي شعره حكم كثيرة، وقيم سامية، ورؤى نبيلة، وقد أعجبتني قصيدته "وحي الواجب" التي وجَّهها إلى الشَّباب وطلاب العلم، حيث لفت انتباههم إلى بعض الفضائل والخصال الحميدة، يقول: يا طَالبَ العلم الشَّريف بعزمةٍ أخلاقُ مثلِك شيمةٌ وإباءُ اثبت وجودَكَ في الحياة كمؤمنٍ فالنَّاسُ في هذا الوجودِ سواءُ وإذا فَقَدْتَ من المعلَّم قُدوةً فأمامَكَ التَّاريخ والعظماءُ وتحلَّ بالخلق النَّبيل فإنَّه إن ساء خُّلْقٌ لا يُشادُ بناءُ واختر صديقَك من تُحبَّ، محاذرًا مَنْ شأنهُ التَّشكيكُ والإغواءُ لا تركننَّ إلى قرينٍ ماكرٍ كلماتُه برَّاقةٌ جوفاءُ ويحث الشَّعبي على مجانبة الذُّنوب والمعاصي، والابتعاد عمَّا يشين من الفعال التي تترك وصمة في القلب لا تزول، يقول: إن شئت أن تحيا شجاعًا صامدًا لا تغوينَّك فُعْلَةٌ حَمْقَاءُ رانُ الذُّنوب يُذيب كلَّ عزيمةٍ لو أنَّ قلبكَ صخرةٌ صَمَّاءُ فدع الدنيء من الحضال فإنَّه ذلُّ النفوس وداؤهُ إعياءُ واسْلُكْ سبيلَ الاعتزاز مُجانفًا ما شأنه التَّفريطُ والغلواءُ وانظر إلى الأُفُقِ البعيدِ محلقًا لا يُثنِ عزَّمك نزعةٌ رعناءُ ويتعجَّب الشَّعبي من الخمول الذي يصيب الشَّباب، والكآبة التي تملأ جوانحهم، فلا يستطيعون التقدُّم خطوة إلى الأمام، ولذا كان لزامًا أن يوصيهم، ويشدَّ من أزرهم، يقول: ما دُمتَ في شَرْخَ الشَّباب فلا تَهنْ إنَّ الشَّبابَ مُغَامِرٌ عَدَّاءُ فّلِمَ الخُمولُ؟ ولِمَ الكآبة والأسى؟ وعَلَامَ من شرك الرَّدى تَسْتَاءُ؟ وعلامَ تَكْبُو مُمعنًا في موطنٍ؟ هذه الحياةُ فسيحةٌ غَنَّاءُ ولا يلبث الشَّاعر ان يُوجِّه نداءه المفعم بالعاطفة والحب إلى شباب المستقبل ورجال الغد، مبيِّنًا أثرهم في حمل لواء العلم والمعرفة، وإسداء الخير إلى مجتمعهم وأُمَّتهم وما يُنتظر منهم من الوفاء والعرفان لوطنهم، يقول: مَرْحَى شباب الجيل أنتم في غَدٍ كُهُفُ العقول وقادةٌ زُعماءُ إنِّي أُحيِّي في حِماكم أنفُسًا تأْبى الخْنوعَ وهمُّها العلياءُ حَرَسَتهُم عين العناية، إنهم أملُ البلاد أكارم شُرفاءُ اليومَ يحدوهم طموحٌ نَادرٌ وتطلُّعٌ، وتحفُّزٌ، ورَجَاءُ وغَدًا سَنُرْسِي صَرْحَ نِهْضَتِنا بهم وبهم تُشَادُ صُروحُنا الشَّمَّاءُ وهديَّةُ الأوطانِ من أبنائها رُوحُ الوفاءِ يزفُّها النُّجباءُ ولم ينس الشَّعبي "مُعلِّمي الأجيال" الذين يقومون بواجب التَّدريس لتلامذتهم، وما يقتضيه ذلك من واجبات وتبعات، فهؤلاء المعلِّمون هم الذين يقع على عاتقهم تنشئة شباب المستقبل، إذ يُخاطب فيهم روح الهمَّة والعزيمة والإخلاص، ويدعوهم ليكونوا قدوةً لأبنائهم الطُّلَّاب وأُسوةً لهم، يقول: أَمعلِّمي الأشبالِ في حَقْلِ الهدى اليومَ أنتم قُدوةٌ ولِوَاءُ وبكم تُناطُ مُهمَّةٌ مرموقةٌ يُملي سُطورِ حَديثهما النُّبلاءُ والجيلُ يبحثُ جاهدًا عن أسوةٍ مَنْ يُرشدُ الحيرانِ يا علماءُ والآن أُعلنها بصوتٍ صَارخٍ: فهم البنونَ، وأَنتمُ الآباءُ هذه لمحات شعريَّة من القصيدة الهمزيَّة التي أسماها إبراهيم الشَّعبي"وحي الواجب"، وهي تعبِّر عن حرص عميق على إسداء النُّصح والتَّوجيه لمعلميِّ الأجيال، ولشباب المستقبل ورجال الغد ليسيروا في دروب الرُّقي والازدهار. *الأستاذ المشارك بكلِّيَّة اللُّغة العربيَّة بالجامعة الإسلاميَّة.