يشعر الناس بسرعة جريان الوقت، وهو ما يُشعرهم بأنهم في دوامة مع الحياة، وبخاصة الآباء والأمهات المسؤولون عن أبناء؛ من صحة وتربية وتعليم، ومتطلبات للحياة؛ من مواعيد أطباء، وزيارات وواجبات اجتماعية، فيظل يُكابد الإنسان في هذه الدنيا ليُنجز أعماله الوظيفية والأسرية والاجتماعية. هل هذه الدوامة هي ما وصفها به ابن حجر فيما يتعلق بتقارب الزمان: (فإننا نجد من سرعة مرور الأيام ما لم يكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا). وقد اختلف العلماء في معنى تقارب الزمان على أقوال كثيرة، وأقوى هذه الأقوال: أن تقارب الزمان يحتمل أن يكون المراد به التقارب الحسي أو التقارب المعنوي. أما التقارب المعنوي؛ فمعناه ذهاب البركة من الوقت، وهذا قد وقع منذ عصر بعيد، قال النووي: المراد بِقصره عدم البركَة فيه، وأَن اليوم مثلا يصِير الانتفاع به بقدرِ الانتفاع بِالساعة الواحدة، ومن التقارب المعنوي أيضًا: سهولة الاتصال بين الأماكن البعيدة وسرعته مما يعتبر قد قارب الزمان، فالمسافات التي كانت تقطع قديمًا في عدة شهور صارت لا تستغرق الآن أكثر من عدة ساعات. وأما التقارب الحسي؛ فمعناه: أن يقصر اليوم قصرًا حسيًا، فتمر ساعات الليل والنهار مرورًا سريعًا، وهذا لم يقع بعد، ووقوعه ليس بالأمر المستحيل، ويؤيده أن أيام الدجال ستطول حتى يكون اليوم كالسنة وكالشهر وكالجمعة في الطول، فكما أن الأيام تطول فكذلك تقصر. وذلك لاختلال نظام العالم وقرب زوال الدنيا. وهذه الأقوال الثلاثة: «نزع البركة» و«سهولة الاتصال» و«التقارب الحسي» لا تعارض بينها، ولا مانع من حمل الحديث عليها جميعها. والله تعالى أعلم. إن العرب كان من شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها؛ من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك، فيقولون: «يا خيبة الدهر» ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر». وتبقى البركة في بكورها ولكن تسيطر علينا العادات والتقاليد التي تحول دون المبيت مبكرًا والاستيقاظ مبكرًا، فأفراحنا واجتماعاتنا عادة ما تتعدى منتصف الليل إن لم تكن حتى الفجر. وإن قلت أن لدي أمنية وهي مجرد أمنية لا أقول انها واقعية ولكن أتمنى إن فتحت مدارسنا وأسواقنا وأعمالنا بعد صلاة الفجر مباشرة. أعتقد أنها ستنظم توقيتنا في النهوض مبكرًا والنوم مبكرًا. وأمنية من أمنياتي أيضًا أن تُدرَّس في مدارسنا مناهج عن أهمية الوقت وكيفية إدارته واستثماره في هذا الزمن الذي تقارب فيه الزمان ويشعر فيه المرء أنه في قطار سريع في ملاهٍ ترفيهية من سرعة الوقت وشدة الالتزامات وعظمة المشاغل.