نشرت احدى الصحف المحلية قبل فترة، ما يمكن اعتباره خبراً مفزعاً ومفجعاً مفاده أن أحد المطاعم في إحدى مدن المملكة كان يعرض على بعض زبائنه أفلاماً إباحية داخل المطعم أثناء فترة الصلاة، بعد أن يُخرج زبائنه الاعتياديين، ويُدخل زبائن مخصوصين ويُغلق الأبواب ويُطفئ الأنوار ويستغل فترة الإغلاق للصلاة التي قد تمتد لساعة كاملة لعرض الأفلام الإباحية مقابل رسوم يُحصِّلها من الزبائن. أقول وبالله التوفيق: تلك حالة تم ضبطها ربما تكون واحدة من كثير من الحالات التي لم تضبط والتي تمثل خروجاً مخيفاً واستغلالاً مفزعاً لوقت مخصص للعبادة والتقرب إلى الله، والفرصة متاحة لضعاف النفوس لاستغلالها أسوأ استغلال، لأن سوء تطبيقهم للنظام يهيئ لهم الفرصة لمثل هذه الجرائم بل لأفظع منها فهم يدّعون أنهم ملزمون بإغلاق المحال التجارية إغلاقاً تاماً ومحكماً بمعنى أن يُسدل الساتر الحديدي من الخارج وتوضع عليه الأقفال، ولا يُكتفى بإغلاق الأبواب الزجاجية الداخلية، كما يدعي الكثير منهم أنهم ملزمون بإطفاء الأنوار تماماً من الداخل، وأن ترك الأنوار مضاءة يوحي بالمخالفة أو عدم الذهاب للصلاة وهكذا. ومعنى ذلك أن مئات آلاف الدكاكين والمحال تصبح خلوات محكمة الإغلاق لا يصل لها أحد أربع مرات في اليوم إذا استثنينا صلاة الفجر، ومعدّل الإغلاق ساعة لكل صلاة، إذ يذهبون إلى أنهم ملزمون بالإغلاق قبل ربع ساعة من الأذان، ويفتحون بعد الصلاة بربع ساعة، ونصف ساعة للإقامة والصلاة، أي أن أربع ساعات في اليوم يملكونها ليفعلوا ما بدا لهم، وهي تعادل ثلث ساعات العمل اليومي، وكما ثبت من الحالة المشار إليها فقد يجدها البعض أكثر من كافية لتحقيق كسب حرام كبير بحجة اتباع الأحكام المرعية، وهو في مأمن من أن يداهمه أحد أو يقتحم عليه وكره خلال ساعة كاملة أربع مرات في اليوم قد يتمكن فيها من عرض عشرة أفلام إباحية أو أكثر، وليس ضرباً من الخيال أن نفترض أن بعض الفاسدين قد يستغل هذه الساعات الأربع ليحول دكّانه أو معرضه لوكر للأعمال المنافية للآداب في مأمن تام، والعياذ بالله. أقول وبالله التوفيق أيضاً: إن هناك قاعدة شرعية لا تختل أبداً هي «أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة»، ولا بد من أن تراعى هذه القاعدة في تطبيق الأحكام المتعلقة بإغلاق المحال وقت الصلاة، فالهدف ليس إغلاق المحال، بل الهدف هو أداء الصلوات في أوقاتها، وما نراه بأم أعيننا على مدى اليوم والليلة أن كثيراً من المحلات المغلقة وقت الصلاة يقف أصحابها خارجها أو يجلسون لهذه الساعة ويقضونها في شرب الدخان والشاي وتبادل الأحاديث والضحكات حتى ينتهي وقت الصلاة فيفتحون الأبواب، بل يخيل للكثير من الناس أن هؤلاء الواقفين خارجاً هم بمثابة الحرس للذين يبقون بالداخل، ويرقبون أي تحرك ليُنبّهوا من هم بالداخل بالدق على الأبواب أو الاتصال بالجوال. والذي نأمله من رجال الحسبة إذا ما مرّوا على شارع معين، أن لا يكتفوا بمجرد التأكد من أن جميع المحلات مغلقة وموصدة الأبواب ومطفأة الأنوار بل أن تكون لهم طريقة للتعامل مع المتسكعين خارج الدكاكين وهم الغالبية العظمى كما يعلم سكان مدينة جدة تحديداً، خصوصاً المطاعم وصوالين الحلاقة والورش وغيرها وقد ظن بعضهم أن الهدف هو إغلاق الدكاكين قبل أن يكون الحرص التام على أداء الناس للصلوات.. وذهب بعض أصحاب الدكاكين إلى المبالغة في مدة وكيفية الإغلاق وعرف ضعاف النفوس منهم كيف يستغلونها.. وأقل أشكال الاستغلال خطورة أن تكون أوقات الصلاة هي فترات راحة العمال أو أوقات تناول وجبات الغداء والعشاء داخل المحلات المغلقة على أضواء خافتة، أو جرد للمبيعات وإجراء بعض العمليات المحاسبية، وهذا أمر يعرفه الجميع ولا يختلف عليه اثنان أو ينتطح فيه عنزان. أما أخطر أشكال الاستغلال لهذه الأوقات الطويلة جداً فهي استثمار الهدوء وإطفاء الأنوار وإغلاق الأبواب بالمفاتيح في بعض أشكال المفاسد كما تبين من هذا الخبر المفزع والمخيف، وكما ذكرنا قد يكون ما لم يتم كشفه أفظع وأنكى. ويذهب بعض أصحاب المحال إلى أنهم ملزمون بإقفال المحال قبل ربع ساعة من الأذان مع أن الآية صريحة في صلاة الجمعة تحديدا: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع)، وإذا هنا شرطية وظرفية. أرجو أن يتنبّه رجال الحسبة إلى هذه المخاطر التي تحدق بالمجتمع التي انكشف بعضها ولم ينكشف الكثير منها، وأن يتعاملوا معها بالطرق الشرعية المناسبة التي هم أدرى وأعلم بها.