تُعاني وزارة التربية من حالة عدم توازن في آليِّات عملها بدءاً من التخطيط مروراً باستراتيجيات تحويل خططها إلى برامج وانتهاءً بالتنفيذ في الميدان التربوي ، وهذه الحالة – حتماً – مردَّها يرجع إلى ضبابية الرؤية ؛ الأمر الذي جعل هذه الوزارة المحورية في إحداث التنمية ، وإعداد الكوادر البشرية التي يُعوَّل عليها قيادة الوطن في كافة المجالات مستقبلاً وجبة دسمة في التناول لوسائل الإعلام ، وهذا النقد اللاذع له ما يُبرره ؛ فكثرة المشاريع المُطبقة في الميدان التربوي جعلت مدير المدرسة مشتتاً للذهن، ودفعت بالمعلم إلى تأدية العمل في حده الأدنى لأنه حائر بين أنماط متعددة من التجارب ، وولي الأمر ضاع – في الطوشه – فلا يعرف إلى أين يتجه بابنه؟! عندما اتحدث عن وزارة التربية والتعليم فأنا أعي الدور الكبير الذي يجب أن تقوم به لإعداد الأجيال ليكونوا إضافة في البناء التراكمي للمجتمع ، كما أعي أنها وزارة الاستثمار في رأس المال البشري ؛ هذا المخزون الذي متى ما أحسن توجيهه فستكون نتائجه مُبهرة ، ومتى ما أُهمل استغلاله فقطعاً ستكون عوائده وخيمة، وإليكم بعضاً من شتات وزارة التربية والتعليم في الميدان : · تطبيق ثلاثة مسارات من التعليم في المرحلة الثانوية ؛ متمثلة في التعليم التقليدي ، ونظام المُقررات ، ومشروع تطوير، ولكم تخيُّل الإرباك الحاصل في المدارس جراء تنفيذ هذه المسارات في وقتٍ واحد ، في الوقت الذي نادت الدراسات العلمية بضرورة تعدد مسارات التعليم الثانوي في اتجاهين أحدهما أكاديمي يتصل بما تُقدمه الجامعات من برامج تكميلية له ، والأخر مهني يتصل بما تُقدمه مراكز التدريب المهني وكليات التقنية ؛ بهدف إعداد كوادر مؤهلة تتواءم وحاجة سوق العمل ، ولكن مثل هذا التوجه العلمي لم تأخذ به الوزارة ، ولم يكن من ضمن أجندتها في يوم ما. · تعدد البرامج التقنية التي تؤَدَّى بها أعمالها ؛ فكل جهة قامت بإعداد برنامج حاسوبي خاص بها ،وهذا مؤشرٌ لغياب وظيفة التنسيق التي تُعد إحدى وظائف الإدارة ، فالإشراف التربوي أعد برنامجاً أسماه الإشراف الالكتروني ، وشئون الموظفين أعدت برنامجاً ثانياً أطلقت عليه مسمى فارس ، وشئون المعلمين هي الأخرى أعدت برنامجاً ثالثاً عنونته بتكامل، وإدارة الاختبارات ليست بأقل من سابقيها فقامت بتصميم برنامج نور ، وكل برنامج من هذه البرامج له تغذية تتباين مع الآخر ، مما حمَّل الميدان التربوي عبئاً آخر في عملية إعداد البيانات المطلوبة لكل برنامج ، ناهيك عن الاختلاف في البيانات المُدخلة في كل برنامج ، مما يعني أن الاستفادة في صورتها التكاملية بين الإدارات مفقودة ، وكأن الوزارة عاجزة عن تصميم بوابة إلكترونية تفاعلية واحدة تُغذى بالبيانات المطلوبة من كل مكان – مرة واحدة – ويُمكن استجلابها وفقاً للصلاحيات الممنوحة لكل مُستخدِم ، وتُساهم بذلك في تطبيق منهجية الحكومة الالكترونية التي تتبناها الدولة. · الوحدات الصحية التابعة للوزارة ، وحالها الذي يُرثى له- وحتماً - هذا يعود لعدم التخصص ، فلا الوزارة بادرت بطلب نقلها لوزارة الصحة لتتخلص من عبء الاهتمام بها، ولا هي طورت من أدائها ودعمها بالكوادر البشرية والتجهيزات المادية لتتواءم مع أهمية الدور الذي يقوم به المعلم في خدمة وطنه من خلال تربية أبنائه. [email protected]