مسّ في خافقي حديث أحد المربين الفضلاء من المعلمين شيئاً أثار شجوني فالمعلم يتكلم بحسرة وألم عما آل إليه حال التعامل معه من الطلاب في المدرسة متحسراً على ما مضى حين كان للمعلم هيبته ومكانته ..ولقد حكى لي عن بعض المواقف والقصص فسألت غيره ممن أثق فيهم فاستقر في داخلي أن ثمة إهدارا لحق وشخصية المعلم اليوم رغم أن احترامه مندوب له شرعاً وعرفاً وأخلاقاً في مجتمعنا الذي شببنا فيه عن الطوق ونحن نتعلم من آبائنا كيف نجلّ ونحترم كبارنا وأساتذتنا ..فماذا حدث؟ لو عدنا للماضي القريب نجد أننا كنا نحسب ألف حساب للمدرسين والمشرفين التربويين ومدير المدرسة ليس في المدرسة فحسب بل حتى خارجها لو قابلنا أحدهم في الشارع نحرص ألا يرانا على غير ما يحب عرفاناً مّنا بجميلهم وحقهم علينا ناهيك عن الرعيل الأول وحكاياتهم التي عرفناها من أبائنا الذين كانوا يبالغون أحياناً في منح المعلم السلطة والحق في التربية والتأديب التي هي منوطة بالآباء بل ويفتخرون بهذا الفعل ويطلبون من المدرسين التصّرف كما شاءوا في الأبناء وتأديبهم..ولذلك كان الفصل الدراسي في الزمن الماضي أكثر انضباطاً وكان الاحترام هو السائد في المدرسة مما أثرى العملية التعليمية وحقق أهدافها عملياً وتربوياً فكانت مخرجاتها جيل الرّواد والمبدعين فما الذي تغيّر اليوم؟! لقد استمرأ البعض التشدّق بحقوق الطالب والإنسان ونسي بأن الإسلام هو الذي كفل الحقوق ووضع مناهج الدين والحياة التي ثبت صلاحها في كل وقت وزمان ولم تغفل شريعتنا عن ذلك فهي قد حثت على إجلال وتقدير المعلم والعالم حتى تؤتي العملية التعليمية ثمارها ..أما المبالغة في المطالب بحقوق الطالب وإهدار حق المعلم والعالم فليس من الشرع والمنطق في شيء..، صحيح أن ثمة معلمين لا يرعوون ولا يتقون الله في حق الطلاب- وهم قلة - ويمارسون سلطاتهم في تعسّف وعنف ويلجأون للضرب المبرح غير المطلوب .. ولابد من استثنائهم ..لأن في المقابل الكثير من المدرسين الذين باتوا عاجزين عن تأدية رسائلهم إزاء الاستهتار واللامبالاة من عدد غير قليل من الطلاب ..الذين وصل بهم السفه والتجاوز إلى حد ضرب المعلمين ومديري بعض المدارس والاعتداء على سياراتهم أو تهديدهم !! فكيف يستوي أداء الرسالة في خِضمّ هذا الاختلال في العلاقة مابين المدرس والطالب؟! إن الاستهتار اليوم عند النشء قد بلغ أشّده.. فصارت قلة الاحترام والتقدير تطال المعلمين والآباء والأهل والكبار عامة مع أن جيلنا- ومن سبقه كان خيراً منه -حرص على احترام المدرسين والمدرسة وإدارتها فضلا عن الوالدين والأهل والأقارب والأرحام.. وكان الواحد يحترم أباه ويجلّه ويذود عنه ولا يرضى فيه قولاً أو ضيماً أو سباباً على الرغم من قسوة بعض الآباء والمدرسين بيد أن ذلك الجيل قد جُبل على الاحترام والتقدير ليس للأب وحده بل لإخوانه وأقاربه حتى وصلت بهم الحميّه إلى الأخذ بمثلنا الحجازي القديم (أنا وأخويا على ابن عمي وأنا و ابن عمي على الغريب).. فهل نجد ذلك السلوك في جيل اليوم مع آبائهم..؟إذ يبدو أننا قد فقدنا الكثير من الانضباط بحجة حقوق الإنسان والمجتمع التي سوّقها الغرب إلينا رغم تناقضه في عقر داره في ممارساته..إلا أننا اشتريناها رغم أن شريعتنا هي منبع الحقوق والواجبات وموازين العدل والتعامل !! فليتنا نعود للمثل العليا التي رفعت مقام رعيلنا الأول..، ويحضرني هنا مثال طبيب الأطفال الأمريكي المعروف الدكتور سبوك dr.spock الذي اشتهر بمؤلفاته في التربية وعلم النفس وأسلوب التعامل مع النشء وبالغ كثيراً في طلب الوالدين بالمرونة ونبذ العقاب ومنح الاستقلالية والحق وغير ذلك من الشعارات التي عاد وانتقدها في أواخر حياته معترفاً بخطئه في الإسراف فيها حينما اكتشف أخطاء ما نصح به في أحفاده وسلوك الجيل فعاد مطالباً بالانضباط.. وذلك هو مثل غربي صارخ يدّلل على أن تلك الاجتهادات البشرية هي آراء تقبل الأخذ والرد أما تعاليم الدين والشرع فإنها من رب العباد الخالق العالم بعباده.. فسبحان الذي قدّر كل شيء تقديراً نحن في حاجة إلى فرض احترام وتقدير المعلم والعالم في المدرسة والجامعة وإعادة الهيبة إليهما والسلطة لهما وإلى احترام الأسرة والكبار. دوحة الشعر .. قُم لِلمُعلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسول