هناك فارق كبير بين نظرة التعالي...ونظرة الإكبار. هذه حقيقة يُدركها معظمنا. لكنّ هناك فئة ينقصها هذا الإدراك والوعي والفهم...هذه الفئة تقابلنا كثيراً في حياتنا.. وهي فئة أخطأت حين انساقت إلى الاعتقاد بأن كون الواحد منها قد نال بعض النفوذ والأهمية...يسمح له بأن ينظر للآخرين نظره متعالية... والواقع أن كبير القوم...يكتسب مكانته من أخلاقه وسلوكه قبل مكتسبات المنصب أو المكانة التي تبوّأها... فالمرء لا يكون كبيراً...ولا حقيقا بالعظمة والتقدير حتى ينظر إلى الآخرين نظرة إكبار واحترام. فليس هناك أي تنافر أو تضارب بين أن يكون المرء عظيما وأن يحترم الناس!!! وبين أن يكون كبير المقام ومتواضعاً!!! كما لا ينقص من قدر المرء أن يعبرّ للآخرين عن شكره لهم وتقديره لخدماتهم فالناس جميعاً...لديهم حاجات نفسية (سيكولوجية) لا بد أن نتفهمّها ونحسن التعامل معها... فالإنسان...في حاجة دائمة وعطش لا يرتوي إلى تقدير الآخرين وإعجابهم وإكبارهم له. وليس في ذلك أنانية أو غرور...ما دامت هذه الحاجة بمعدلها الطبيعي. وإشباع هذه الحاجة ضرورة ملحّة.... لأنها من أكبر الحاجات خطراً...وأشدها إلحاحاً في نفسه...وتجاهلها قد يؤدي بالمرء إلى أسوأ العواقب...وأذى ذلك يلحق به..وبالآخرين من حوله... وقد تظهر هذه الرغبة بوضوح عند البعض...وقد تستر وتختفي عند البعض الآخر...لكنّ هذا التستر والانطواء...لا يعني أنها ليست موجودة...بل ربما كانت أشدّ خطراً إن قابلت تجاهلاً. والعملية متبادلة..بمعنى أنك إن منحت الآخرين تقديراً و إكباراً واحتراماً...فإنك لابد ستلقى التقدير والإكبار رداً مؤكّداً. أمّا إن نظرت نظرة فوقية للآخرين...ورأيت نفسك عملاقاً والآخرين أقزاماً...فالردّ سيكون بالمثل...مهما طال أو قصر الزمن!! إننا نرى حولنا أشخاصاً جعلوا من نفوذهم أو مالهم أو منصبهم برجاً عاجياً ينظرون من فوقه للآخرين نظره تعالٍ ثم ما لبث أن تغيّر الزمن...وكشّر عن أنيابه...وجعل عزيز القوم ذليلهم أو أنزل من كان في برجه العاجي إلى ما بين عوام الناس...ليتلقّى من الناس ما لا يسّره من تجاهل وتحقير وعدم تقدير... ولو كان ينظر للآخرين نظرة إكبار وتقدير واحترام...لبقي ينال المثل سواءً كان متمتعا بنفوذه ومكانته...أو متجرّداً منها.