لا يختلف عاقلان على أن الشقيقة الغالية جمهورية مصر العربية واجهة حضارية للأمة العربية، وصاحبة إرث فكري ومدني وثقافي لا يبارى؛ ولمصر الدولة الكبرى تأريخ لا يخفى على ذوي الألباب والعلم والمعرفة. فمصر مهد حضارات عربية وغير عربية، وفيها امتزجت الحضارة العربية بالمد الثقافي الغربي ممثلا في حملة «نابليون بونابرت» الشهيرة على مصر، وفيها تلاقت ثقافة العثمانيين بأحرار ومثقفي تلك البلاد التي شرفها الله تعالى بالذكر في القرآن، وهذا يؤكد على عمق الثقافة المصرية وتواصل ثمارها من عهد لعهد. ولذلك فإن ما يحدث فيها من مواجهات باسم الثورة لا يخدم العرب والمسلمين وهم في مسيس الحاجة إلى الوحدة والتعاضد لمناهضة تكالب الأمم من حولهم! بل إن التصعيد الثوري للمطالبة بالإصلاح والحقوق لا ينبغي أن يتلبس بالعنف والتخريب بأي حال من الأحوال مهما كانت الدوافع والذرائع! إنها كارثة حقيقية أن تصل الأيدي المخربة إلى الإرث الثقافي التأريخي لتحرق المجمع العلمي في مصر، وهو من منارات الثقافة العالمية وليس العربية والإسلامية فحسب، ففيه من المخطوطات والمراجع والكتب والمصادر ما يُغني الباحثين والدارسين والمهتمين بتأريخ مصر والعرب. إن العبث بالممتلكات الخاصة والعامة والثقافية نهج فوضوي غير محمود العواقب؛ ولا يليق بمصر شعبا وأمة وثقافة. وبأي السبل لابد من وقف أي يد تمتد لثقافتنا العربية الأصيلة، لأن مصر الحاضنة الثقافية الكبرى هي من أنجبت طه حسين وأحمد شوقي والعقاد والشعراوي وزويل والبرادعي وعمرو موسى، وغيرهم من الأدباء والمفكرين والمثقفين والأطباء ورجال السياسة والمنجزات الخالدة. لعلنا نفيق ذات صباح لنرى مصر رائدة الثقافة العربية وقد تعافت كل حصونها الثقافية والفكرية من وعكة ستزول؛ ولن تطول.