وهيب بن زقر.. ذكرى جميلة.. تجسد أمامي وكأنه لم يمت وأنا أستعيد قراءة محتويات الكتاب الذي قام بإعداده الدكتور خالد باطرفي، كلمات من القلب، عبّر فيها أحباؤه عن مشاعر صادقة. * كان وهيب يملأ المكان والزمان بجديته إذا تحدث وحتى في حالات صمته حينما يكون الضجيج تافهًا والكل لديه عنه ما يقوله حتى أولئك الذين لا يعرفونه عن قرب. أما أنا فلي معه ذكريات وعدد لا يحصى من الساعات والليالي والسنوات. بدأت منذ أن التقينا لأول مرة في أوائل الستينات، كان هو اسمًا له جرس ورنين، ابن ذلك البيت التجاري الشهير، وعضو مجلس إدارة الغرفة التجارية والكاتب الذي يتناول في الصحف أمور التجارة والاقتصاد بصورة لم تعرفها صحافتنا قبلا، وأنا عائد لتوي من التعليم موظفًا في وزارة التجارة والصناعة. ترسخت العلاقة حين جاءني يومًا يدعوني للمشاركة في غذاء الثلاثاء في منزل الأسرة وهو يقول.. هذا غذاء أسبوعي تعودنا عليه من أوائل الخمسينات يحضره جمع من الأصدقاء، بلا دعوة لا نقدم فيه غير السمك. التتمة ص(21) علمًا بأننا في جدة، على خلاف "المكاكوة" لا نأكله مذبوحًا. لفتت نظري المداعبة واكتشفت من خلالها شخصيته الجميلة. وبقبولي الدعوة، أصبحت عضوًا دائمًا على هذه المائدة العامرة منذ ذلك الوقت. * والذكريات كثيرة لا تحملها مقدمة موجزة في هذا الكتاب. لقد تناولت مقالات الكتاب التي تتالت غداة وفاته، أشياء كثيرة، لم يبالغ أحد في أوصافه أو يضيف جديدًا، تحدثت تلك المقالات عن وهيب التاجر.. والتاجر هي الكلمة التي كان يؤثر استعمالها، وكان يؤكد عليها في كل مناسبة، للتعبير عن سوء استخدام اللفظ البديل "رجل أعمال". تحدثت تلك المقالات عن وهيب الكاتب، الذي آثر احترام قلمه ولسانه ليخوض بهما في المجالات التي يعرفها فقط.. لم يكن وهيب ثرثار مجالس. لم يدّعِ معرفة كل شيء.. طبيبًا إذا كان الحديث في الطب، جنرالا إذا كان الحديث في الحرب، كانت مقولته دائمًا أن يخوض الشخص في كل شيء بلا مخزون معرفي يعتبر ذلك تطفلاً وجهلاً، وهذا ما كان يأخذه على مجالس النخبة وغير النخبة. * تحدثت تلك المقالات، عن وهيب الإنسان، لقد كان خلال فترة رئاسته لمجلس إدارة بنك القاهرة إذا جاءه أحد يطلب قرضًا، يعرف أنه لا قدرة له على رده، يقول له.. هذا بنك بطال، يتعامل بالفوائد.. نصيحتي أن تتقدم بطلبك إلى بنك "بيت بن زقر" فيعرف طالب القرض أنه سوف يحصل على حاجته هبة.