التعاون يرد الدين للقادسية    الأزمات.. بين الانتهازية والإنسانية !    مدرب فريق ريال مدريد يؤكد صعوبة مواجهة الغد أمام برشلونة    الهلال يصالح جماهيره بخماسية    الشاب "موسى النجم" يدخل "القفص الذهبي"    إحباط تهريب (136.9) كجم "حشيش" في ينبع    رقم قياسي جديد لموسم الرياض بأكثر من 16 مليون زائر    تشييع الحربي صاحب ال 50 حجة في مقبرة الوجه    «ضاع قلبي في جدة».. نوال الكويتية ورابح صقر يشعلان ليل العروس بحضور جماهيري كبير    المنافذ الجمركية تسجل أكثر من 1900 حالة ضبط خلال أسبوع    تحديث سرعات طريق السعودية - عمان عبر الربع الخالي    فريق جامعة المؤسس يحقق بطولة السلة للجامعات    10 مليارات لتفعيل الحوافز المعيارية للصناعيين    انطلاق ملتقى " إضاءة عسير " الاثنين القادم    تعددية الأعراق والألوان تتوحد معك    ولي العهد يهنئ الرئيس اللبناني ويدعوه لزيارة السعودية    إسرائيل تخطط للسيطرة على 15 كم داخل سورية    حرائق كاليفورنيا: وفاة 11 شخصا والخسائر تقدر ب 135 مليار دولار    الذوق العام تنظم مسيرة "اسلم وسلّم" لرفع الوعي لسائقي دراجات تطبيقات التوصيل    وكيل "الشؤون الإسلامية" للمشروعات والصيانة: تدشين الأدلة الفنية للمساجد إنجاز نوعي برؤية شاملة ومعايير عالمية    نادي جازان الأدبي يكرم الزميلة خلود النبهان    وصول الطائرة الإغاثية السعودية التاسعة لمساعدة الشعب السوري إلى مطار دمشق الدولي    السودان.. أكبر أزمة نزوح أطفال في العالم    أكثر من 300 جلسة رئيسية في النسخة الثالثة من قمة المليار متابع    طلبة منطقة "تعليم الرياض" يعودون غداً لمدارسهم لاستكمال الفصل الدراسي الثاني    بندر بن سعود ل"الرياض": الفائزون بجائزة الملك فيصل سفراء المملكة عالميًا    استمرار هطول الأمطار على بعض مناطق المملكة    «طائرة كوريا».. «الأسودان» توقفا قبل 4 دقائق من التحطم !    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    خالد عبدالرحمن ل«عكاظ»: جمعنا أكثر من 10 قصائد وننوي طرح ألبومين سامريات    القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    "النقد الدولي" يتوقع استقرار النمو العالمي في 2025    ابعد عن الشر وغني له    أمريكا وبريطانيا توسعان عقوبات كاسحة على صناعة النفط الروسية    البرلمان الألماني يبحث الأربعاء تفشي الحمى القلاعية في البلاد    أمين الطائف هدفنا بالأمانة الانتقال بالمشاركة المجتمعية للاحترافية    "لوريل ريفر"، "سييرا ليون"، و"رومانتيك واريور" مرشحون لشرف الفوز بلقب السباق الأغلى في العالم    العروبة يتعاقد مع العراقي عدنان حمد لقيادة الفريق فنيّاً    هاو لم يفقد الأمل في بقاء دوبرافكا مع نيوكاسل    رئيس مصر: بلادنا تعاني من حالة فقر مائي    ما بين الجمال والأذية.. العدار تزهر بألوانها الوردية    «الغذاء والدواء» تحذّر من منتج لحم بقري لتلوثه ببكتيريا اللستيريا    القبض على مقيم لترويجه (11,968) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي بمكة المكرمة    بالشرقية .. جمعية الذوق العام تنظم مسيرة "اسلم وسلّم"    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الأحاديث الموضوعة والبدع المتعلقة بشهر رجب    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    الصداع مؤشر لحالات مرضية متعددة    الحمار في السياسة والرياضة؟!    سوريا بعد الحرب: سبع خطوات نحو السلام والاستقرار    أسرار الجهاز الهضمي    أفضل الوجبات الصحية في 2025    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    ولي العهد عنوان المجد    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل نقبل مساءلة التراث أم نكتفي بالأجوبة الجاهزة؟
نشر في المدينة يوم 16 - 12 - 2011

التراث ليس حشدًا تراكميًا لمجموعة من الخبرات والمعارف المتنوعة وصفحات من الكتب تحفها القداسة
الإخلاص للتراث ليس معناه محاكاة التراث لأن احتذاءه والسير معه يعني الدخول في دائرة التقليد والتقليد ثبات
مواجهة التراث تحمل في ذاتها الوعي والانتخاب والاختيار الذي يضفي على الذات المدركة ملامح القوة والقدرة.
التراث يعني انتقال ما هو مادي أو معنوي من السلف للخلف، أو هو ما خلفه لنا السلف من آثار علمية وفنية وأدبية، مما يعد نفيسا بالنسبة إلى تقاليد العصر وروحه فإن الموقف منه لم ينبثق من خلال نظرة عاطفية أو انتماء قبلي متحمس.
المفهوم الواعي للتراث يؤكد أهمية الوجود في عمق المعاصرة، لا الوجود على هامشها، فالذات حركة وفعل من خلال إرادتها وقدرتها على التأمل والتفسير والإضافة، وهي كما أن الوعي بالتراث إضافة للتراث، والفهم الصحيح له يمثل أهم العوامل التي تكشف عن مدى حرص المثقف على معنى المعاصرة في تراثه.
التراث ليس حشدًا تراكميًا لمجموعة من الخبرات والمعارف المتنوعة، وصفحات من الكتب تحفها القداسة أو الوجل؛ لذا لا بد أن يخضع لموقف يحدد علاقتنا به من حيث القبول والرفض.
مع بدايات النصف الثاني من القرن العشرين بدأت العلاقة بالتراث والموقف منه يخطوان خطوة للأمام، تعتمد في أساسها على الإدراك لمفهوم العصرية، حيث المعاصرة موقف من الأشياء ومن العالم يقفه الشاعر أمام نفسه وأمام الحياة بعفوية وأصالة.
لقد فرضت المعاصرة مناخًا يتسم بالجدل في ظل مسيرة التطور الإنساني، وحاولت أن تعلن عن نفسها من خلال الرؤى المتعددة، التي تنبثق من ذوات تحلم بالوجود الحي، فليست المعاصرة فترة تمتد إلى زمن قصير فقط حول الوقت الذي تفكر فيه، وإنما هي فترة تحددها وجهة الحضارة، ومن خلال وجهة الحضارة تبلوره النظرة إلى التراث وكيفية التعامل معه والعلاقة به، فهناك من رفض التراث رفضًا تامًا على أساس أنه عامل رئيس في فصل الإنسان عن مواكبة عصره، ولا يستطيع التراث أن يمنح حياة حقيقية.
الإخلاص للتراث ليس معناه محاكاة التراث، لأن احتذاءه والسير معه يعني الدخول في دائرة التقليد، والتقليد ثبات، يجرد الأديب أو المفكر من ذاته القادرة على الإبداع.
ومواجهة التراث تحمل في ذاتها الوعي والانتخاب والاختيار، الذي يضفي على الذات المدركة ملامح القوة والقدرة.
والمواجهة ليس معناها هدم التراث أو الإساءة إليه وإنما تعني إعادة النظر إليه في ضوء المعرفة العصرية. كما أن الوعي به، والوعي بدوره، التأريخي، يمثلان القدمين اللذين يمشي بهما:
وعدم الوعي بالتراث يمثل قطيعة ابستمولوجية ضد تاريخية الإنسان النفسية والعقلية.
فالمثقف أو الكاتب لا يقبل التراث كله، بدافع التقديس والانتماء القبلي، لأن هناك كثيرًا من مورثنا لا يتناسب مع معطيات واقعنا المعاصر، وقيمنا الجديدة، وذوقنا الجديد، فليس كل مورثنا مضيئا، كما أنه لا يرفض تراثه جملة، بدافع العصرية فيذهب إلى قطع الأواصر، ويدعو إلى التمرد على كل موروث لمجرد التمرد ذاته، ولكن لابد أن يحدث بين المثقف والتراث تفاعل وتجاذب، فيصبح التراث فاعلا ومفعولا معه فقيمته تتولد من التفاعل بين الذات المدركة والشيء المدرك.
فالتراث قابل – بل ملزم – للاجتهاد، والتحرر حتى لا يظل شبحه جاثما فوق ملكاتنا الخالقة سواء عن طريق اللغة أو الفكر أو الشعور على حد تعبير د.غالي شكري
يجب أن نتعامل مع التراث كما يحيا فينا....بمعنى أنه ليس صفحات جامدة، بداية علينا أن نعرفه ثم نفرزه، فتبقى عناصره القابلة للحياة، ليحيا فينا وقد اكتسب همومنا، ليس هناك سبيل إلى بعث تراثنا إلا بإعادة دراسته على ضوء العلم والعقل، لنغربله ونفصل هشيمه عن بذوره ونعطيه الحياة.
إذن «ينبغي أن نفرق بين مفهوم التراث ومفهوم الثبات، بحيث لا نعتبر التراث نقيضًا لكل تغير، وأن نميز أيضًا بين توق العودة إليه كما ورثناه، والتوق إلى شحذ الحياة التي خلقته وتفجيرها، لكي نضيف إليه شيئًا جديدًا.
ليس كل التراث مشعا، وليس التراث كله صالحا، أو طالحا، ففيه يقبع الهش والنفيس، والمعتم والمضيء؛ لذا ينبغي أن يخضع التراث للفرز والغربلة والفحص، حتى نخلص الثمين من الشوائب العالقة به.
فالتراث كما يرى صلاح عبد الصبور: «ليس تركه جامدة، ولكنه حياة متجددة، والماضي لا يحيا إلا في الحاضر، وكل قصيدة لا تستطيع أن تمد عمرها إلى المستقبل لا تستحق أن تكون تراثا، ولكل شاعر أن يتخير تراثه الخاص».
من خلال ما تقدم ذكره يتبين لنا أن العلاقة بالتراث ترتكز على أسس أربعة:
أولًا: الفرز والفحص والانتخاب، حتى نغربل الجيد من الرديء، ونصفي الصالح من الطالح.
ثانيًا: قراءة التراث قراءة جيدة، تتفق مع متغيرات العصر وهمومه، حتى يصبح ذا جدوى للحياة التي نريدها، ونريد أن نصنعها، فهو القوة التي تمنحنا صلابة وامتدادًا.
ثالثًا: تجاوز التراث.
رابعًا: توسيع آفاق هذا التراث للوصول إلى التراث الإنساني.
ومن خلال تعرضنا للموقف من التراث، يتضح أنه ليس تركة جامدة، محنطة، ولكنه تركة حية، تنطوي على كثير من الفعاليات التي تستطيع أن تمنح الإنسان المعاصر قدرة على الامتداد في الآفاق، والتراث ينطوي على الصالح والطالح، فالإخلاص للتراث لا يكون باحتذائه أو السير ورائه، وإنما بمواجهته ونقده، وإعادة النظر فيه من منظور التجاوز، بحيث نضيف إليه من أنفسنا شيئا، ويكتمل الوعي بدوره التاريخي، وهو الأمل المنشود حتى يحقق التراث فعالياته في ظل هموم الإنسان المعاصر ومتطلباته.
وقضية الاهتمام بالتراث لم تأخذ هذه الصورة -من قبل- كما أخذتها في النصف الثاني من هذا القرن، على الرغم من أن لكل جيل تراثه، حيث السابق -في كل عصر- تراث اللاحق الوريث، فلم تطف -على امتداد العصور- على السطح ولم تأخذ هذا الحجم من الصراع الفكري، الدائر بين الرفض والقبول: إنها أصبحت مشكلة طرحت نفسها للجدل والنقاش في واقعنا العربي أما بالنسبة للأمم الأخرى فلم تبرز هذه المشكلة بهذه الصورة.
ربما تكون التيارات الثقافية الوافدة من الغرب وراء تفجرها، حيث لم يستقبل الواقع العربي ثورات ثقافية، واتجاهات فكرية متنوعة بصورة هائلة إلا في العصر الحديث.
والدكتور زكي نجيب محمود يرى أن السبب في هذا يرجع إلى علاقتنا بالفلسفة اليونانية، ونقلها آليا، حيث لم نهضمها وتنصهر هي في تركيبة العقل العربي ولم تصبح جزءا من تكوين الإنسان العربي، بل إنها ظلت كزرع القلوب أو الأعضاء التي يرفضها الجسم.
أما صلاح عبد الصبور فيرجع السبب إلى ذواتنا المعاصرة، التي تعانى من فقر ثقافي مدقع، فتندفع إلى التراث وتطرح مشكلة الجدل بين الماضي والحاضر:
«ولعنا بالتراث وخاصة في السنوات الأخيرة ربما كان نوعًا من حرص الفقير المعدم على أن يذكر أنه كان له يوما ما أجداد أثرياء، فإذا عيرته بفقره الحاضر انطلق يحدثك عن جد سابع أو ثامن كان ثريًا مالكًا متصرفًا في أمور الكون.
ولا أعتقد -بغض النظر عن التراث- أن هناك أمة حريصة على الفخر بالماضي مثل الأمة العربية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.