تبدأ القمة الخليجية أعمالها بعد أيام في الرياض، وسط أكوام هائلة من التحديات التي تواجهها المنطقة العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص. وهي أول قمة خليجية تأتي في خضم ما يُسمَّى بالربيع العربي أو ما يُطلق عليه باليقظة العربية (Arab Awakening) وهو مُسمَّى أكثر صحة من مُسمَّى الربيع العربي، فليس من المنطق أن يُقال على القتل واستباحة دماء الأبرياء من المواطنين الذين يريدون استرداد حقوقهم من ظلم وطغيان الأنظمة الفاسدة، التي تريد أن تحكم الشعوب بالحديد والنار والتشبث بالكراسي، على أنه ربيع، بل إنه خريف دموي تساقط فيه الأبرياء. حقيقة الأمر تقول لنا أنه ثبت، بما لا يدع مجالًا للشك، أن مجلس التعاون الخليجي، الذي كُنَّا نؤكد –بالأمس- ضرورة تسريع إجراءات اندماجنا كدول وشعوب خليجية مع بعضنا البعض، وتسهيل عملية التنمية بين شعوبنا الخليجية، بل الدفاع عنه من كل حاقد وحاسد ومتربص بنا، نقول إنه ثبت بأنه يخطو خطوات متأنية ومدروسة من أجل رفاهية شعوبنا الخليجية. ولكن هذه القمة الخليجية لقادة مجلس التعاون الخليجي هي في واقع الحال نطلق عليها قمة «استثنائية» في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها بعض الدول العربية. أهمية هذه القمة تأتي في وقت يمر بها عالمنا العربي بظروف صعبة. فطوفان الثورات الشعبية والفتن والقلاقل والفوضى، استغلتها إيران لكي تتدخل بشكل سافر ليس فحسب في شؤون الدول الخليجية بل والدول العربية دون استثناء. إلى جانب أن هذه القمة تأتي في وقت عجزت فيه الجامعة العربية للتدخل لإيقاف الملالي والآيات في إيران عند حدهم، الذين ورث زعماؤه من آية الله الخميني الفوضى وتصدير الثورات والفتن ومحاولة تدمير الشعوب العربية باتباع سياسة فرق تسد الاستعمارية من أجل الهيمنة ومد النفوذ، وليس كما يعتقد البعض من أن ما يقوم به نظام الحكم في إيران في بعض الدول العربية هو محاولة لحماية طائفة بعينها. فتاريخ إيران حافل بالتدخلات منذ أن أتى للسلطة آية الله الخميني عام 1979م وتصريحاته بتصدير الثورة الإيرانية لدول الجوار، وكأن هذه الثورة أنموذجًا فريدًا يحتذى بها؟!! في حين أن واقع الحال يقول لنا: إن تصدير الثورة على الطريقة الخمينية الهدف منه إحياء النفوذ الفارسي وتصديره، وسوريا شاهدة على ذلك، وكذلك لبنان مع حزب الله، واليمن مع الحوثيين، والصومال وغيرها مستغلة المذهب الشيعي كوسيلة لتطويق بعض الدول العربية لمحاولة مد النفوذ الفارسي، وقد نجحت في لبنان مع حزب الله، ونجحت في سوريا أيضا، وكذلك في العراق، وبالتالي لا بد من تحرك عربي فاعل لعمل تكتل أقوى من التكتل الإيراني. الملف السوري من الملفات التي نتمنى أن تأخذ حيزًا كبيرًا على طاولة القمة لاتخاذ موقف جماعي ضد النظام السوري، وتفعيل المبادرة العربية ووضع الآلية لتطبيقها، فالقتل وإراقة دماء الأبرياء لا يمكن السكوت عليه، فكان عدم الرضا على إراقة دماء الشعب السوري وانتهاك حقوقه هو موقف المملكة منذ البداية. مجلس التعاون الخليجي يُمثِّل تكتلًا مهمًا في الخليج العربي ومنطقتنا العربية.. فالتكتلات العربية مهمة في هذا الوقت بالذات، بل أصبحت حاجة ملحة، فالاتحاد الأوروبي، كما أشرنا سابقًا، هو تكتل يضم جمهوريات وملكيات، بدأ عند إنشائه بسوق أوروبية مشتركة، أي بالاقتصاد، الذي دائما يجمع ولا يفرق، فالاقتصاد هو الداعم الرئيس للأمن، وفي الوقت ذاته فإن الأمن هو الداعم بل المحرك القوي للاقتصاد، هذه حقيقة يعرفها الجميع فهي ليست بجديدة.. وسوف يُعزِّز هذا التكتل انضمام المغرب والأردن في ظل غياب الدور الفاعل لجامعتنا العربية، كما أسلفنا، فلا بد من إيجاد تكتلات سياسية واقتصادية جديدة إضافة إلى منظومة الدول الخليجية، وفي الوقت ذاته نتمنى من مجلس التعاون الخليجي بما تملكه دوله من ثقل سياسي واقتصادي أن يقوم بدور فاعل في مساعدة بعض الدول العربية ودعم استقرارها السياسي والأمني والاقتصادي وغيرها من المجالات.. كما فعل مع اليمن الشقيق، الذي يمثل عمقنا الأمني والاستراتيجي، واستقراره السياسي والأمني والاقتصادي ينعكس إيجابًا على جميع الشعوب والأوطان الخليجية بحكم الجوار وموقعه الجغرافي، فقد قام مجلس التعاون الخليجي بدور فاعل لرأب الصدع بين الأخوة اليمنيين حكومة ومعارضة. ومعالي أمين عام مجلس التعاون الخليجي الدكتور عبداللطيف الزياني قام برحلات مكوكية لليمن من أجل حل الخلافات بين الأشقاء وإرجاع الأمور إلى وضعها الطبيعي وقد نجح بتوجيهات ودعم قادة دول مجلس التعاون الخليجي الذين هيأوا له وللأشقاء في اليمن جميع أسباب النجاح، وبالفعل نجحت المبادرة الخليجية في تقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف حتى تم تتويج هذا الجهد بتوقيع المبادرة الخليجية في الرياض، بحضور جميع الأطراف المعنيين، وبرعاية كريمة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي حضر حفل التوقيع على الرغم من أنه كان في مرحلة نقاهة بعد العملية الجراحية التي أجريت له وتكللت ولله الحمد بالنجاح. نخلص إلى القول: إن مجلس التعاون الخليجي تعامل مع هذه الفتن والقلاقل والفوضى التي تعم عالمنا العربي بكل حكمة، وقام بدور فاعل لاستتباب الأمن والاستقرار في اليمن الشقيق، فمزيدًا من التقدم لمجلسنا الخليجي الموقر، ودعاؤنا لله العلي القدير أن يوفق قادة هذا المجلس في النهوض بخليجنا العربي والارتقاء بأوطانه وشعوبه بمشيئة الله.