أخشى علينا الحسد من كثرة الإبداع الذي يتقاطر علينا في الآونة الأخيرة من كلّ حدب وصوب.. فأمتنا العربية ستصاب بالعين لا محالة.. فنحن أمة تفوقنا في التعليم والأدب والفلسفة والطب والهندسة.. وتفوقنا بتمسكنا بقيمنا ومبادئنا والثبات عليها.. بل أصبحنا نضاهي بريطانيا في حفاظنا على لغتنا العربية..! ولم يبق إلا كماليات الأمور لنحوز على مرتبة الشرف، وكيف لا ولدينا إعلام يناضل من أجلنا..؟! فإعلامنا العربي المصون لا يتوانى عن تنظيم مسابقات لاكتشاف مواهب شبابنا لينهض بالمجتمع.. والبرامج المبتكرة بأسلوب مبهر ليرتقي بأبنائنا.. فمواهبنا تجتمع عند إعلامنا العربي وتتمحور حول موهبة واحدة هي الغناء.. فهو موهبة تستحق أن نوقف كلّ شيء من أجلها.. فلن نصبح أمة متحضرة ما لم يتعلم أبناؤنا السلم الموسيقي.. أو العزف على إحدى الآلات الموسيقية.. أو تعلم الرقص الغربي..! فإعلامنا العربي يناضل ويكافح من أجل استنساخ برامج غربية في مضمونها وشكلها وهويتها.. برامج مقلدة لتساعدنا في حلّ أزمة النقص الرهيب الذي نعاني منه بخصوص هذه الموهبة.. حتى لو كان الأمر على حساب ثقافة أبنائه.. أو فكرهم.. أو عقيدتهم.. فها هو آخر صيحة في عالم الغناء.. معبود الجماهير كما تسميه أمريكا.. والذي استنسخته إحدى القنوات بنفس الاسم ما عدا طبعًا أمريكا.. فالهوية هنا مهمّة جدً!! ليصبح معبود العرب والعياذ بالله.. ليصل هدمها إلى العقيدة.. فأغلب برامجنا الموجهة لشبابنا تصب في معين واحد.. كيف نُنشِئ مغنيًا..؟ وكأنّ الإبداع والتطور والحضارة لا تقوم إلا بالمغني.. حتى بات مقدسًا ومبجّلا وفوق أيّ اعتبار..! مخزٍ جدًا ما يفعله إعلامنا.. ألا يكفي أنه يعيش إفلاسًا شديدًا في الأفكار والابتكار؟ ألا يكفي أنه يعيش مجاعة شديدة في تغذية أبنائنا بما هو مفيد روحيًا وفكريًا؟ ألا يكفي التعدي والتمادي والجرأة الشديدة جدًا على العقيدة والاستهتار وعدم احترام المسلمين..؟! أتحسر بشدة على ما آل إليه إعلامنا العربي وأغلب قنواتنا التي بدلًا من أن تكون عونًا لنا في التربية وغرس المفاهيم الصحيحة الراقية التي تعود بالنفع على المجتمع نجدها معولًا يهدم أكثر مما يبني...!!! حقًا ما أسوأ أن يحارب المرء نفسه بنفسه.. بل ما أسوأ أن يتطوع أبناءٌ من بني جلدتنا ليعلنوا حربًا علنية على القيم والمبادئ الإسلامية.. ويشهروا سلاحًا أصبح يهدد أمننا الفكري.. فأغلبية إعلامنا يعاني حالة مزرية من انعدام الهوية وانعدام الثقافة إلا بالفن والفنانين. وأنا هنا لا أعمم.. فهناك قنوات إعلامية راقية.. ولكنها مع الأسف ضاعت في خضم الغثاء الذي يحيط بنا من خلال الشاشة الفضية.. فمتى يعي هذا الإعلام بأننا لم يعد ذاك المشاهد البسيط الذي يتلقى أي شيء.. أو يعجبه أيّ شيء..! متى يحترم هذا الإعلام عقولنا كمشاهدين بل كأمّة إسلامية لها استقلاليتها في مبادئها وقيمها وهويتها ولغتها؟ متى نشعر بأنّ إعلامنا معنا يناقش قضايانا ومشاكلنا بصدق وشفافية وليس ضدنا..؟! حنان سعيد الغامدي - جدة