كثيرةٌ حقوق المرأة التي تسابق الزمن للحصول عليها، وتتصدر للمطالبة بها في كل فرصة، فكثيراتٌ يطالبن باستلام دفة قيادة السيارة كأهم مطلب، وكثيراتٌ يطالبن بإلغاء شرط المحرم، والوكيل الشرعي، لكن أكثر منهنّ جميعًا اللاتي بحاجة لمسكن خاص لا ينازعهن فيه أحد، وإن صمتن عن المطالبة، فإن صراخ الأحداث غالب على عناوين المطالب، والحملات، فأكثر جنايات المجتمع بذكوريته المتحجّرة على المرأة، وجنايات ولي أمرها عليها سببه أنها تقيم في بيته، وليس لها ملاذ آخر، فإن ضارّها، أو عنّفها، أو اعتدى عليها لا تجد مكانًا يؤويها إلاَّ ما يجر عليها الشبهات. قبل فترة اضطرت امرأة -وفقًا لما وصفته الصحافة- لقيادة السيارة بين مدينتين، بعد أن طردها زوجها، وطردها والدها، ففرّت لبيت خالها المقيم في مدينة تبعد عن بيت ولييها مسيرة ساعة بالسيارة، والسؤال: ماذا لو أنّ خالها طردها؟ فأين ستفر بسيارتها؟ وإلى متى وهي تسافر طريدة؟ وهل ستؤمّن لها سيارتها مكانًا آمنًا؟! لا شيء يعدل المسكن، ولا شيء يحقق الأمان كالمسكن، وهو أساس القرار، وبالاستقرار والأمان يمكن للمرأة أن تطلق ملكاتها، وتحقق ذاتها، وتنتج ما يغنيها عن الناس، وإن كانت علاقتها بوليها جيدة لا يصل تدهورها وشقاقها حد الطرد والإبعاد عن رحمته، وجنته، كان مسكنها مصدر رزق لها يغنيها عن منّته، وفي موروثنا وثقافتنا الدينية والاجتماعية ما يؤيد أهمية السكن وأولويته، ففي القرآن أن القرار والاستقرار في البيت (وقرن في بيوتكنّ) وضمير الملكية لها، وليس لوليها في (بيوتكنّ)، أي الذي لا يمكن لأحد طردها منه، وحين خافت النمل من سيدنا سليمان وجنوده قالت نملة: (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ) فالمسكن هو الأمان من أي خطر مهما بلغ ضعف الساكن، وقوة الآخر، وحين دعت «امرأة فرعون» اللهَ -جل وعلا- قالت: (ربِّ ابنِ لي عندك بيتًا في الجنة)؛ لأن البيت هو قرة العين، والخصوصية حتى في الجنة التي يسكنها (إخوانًا على سُرر متقابلين)، فما بالك في أحياء تتخفّى فيها أعداد غير معلومة، وغير محصية للعمالة غير النظامية، وتمارس فيها أصنافًا شتّى من المخاطر؟!