مع التسليم بخطورة التحرش الجنسي بشكل عام وفي صوره كافة إلا ان ثمة احساسًا بالخطر بدأ يتنامى داخل المجتمع من تحرش الفتيات بالشباب.. وتقول نتائج استبيان أجرته «المدينة» وشارك فيه 1486 مفردة عشوائية من بين القراء.. أن نسبة 59% من المشاركين يرون أن تحرش الفتيات بالشباب اصبح ظاهرة تحتم التصدي لها ومعالجتها في مقابل 41% يدركون الخطر لكنهم يعتبرون هذا النوع من التحرش لا زال تحت تصنيف «الحالات الفردية» وكان استبيان «المدينة» قد طرح سؤالًا مباشرًا مفاده: هل أصبح تحرش الفتيات بالشباب ظاهرة منتشرة يتوجب علاجها؟ فأجاب 874 من المشاركين في الاستبيان ب «نعم» فيما قال «لا» 612 مشاركا. وفي تعليقه على نتائج الاستبيان يقول الخبير التربوى محمد سالم الغامدي إن هذا النوع من التحرش أصبح يفوق الظاهرة إذا لم تصل إلى حد المشكلة فهذه الظاهرة لم تأت إلا من خلال أسباب عميقة متغلغلة منذ فترة ليست بالبسيطة ولعل أبرز هذه الأسباب الانغلاق الذي يعيشه مجتمعنا، بل مبالغ فيه كثيرا مما جعل المنفذ الوحيد لمثل تلك الحالات هو رؤية الشباب للفتيات والعكس، وأن الانغلاق المبالغ فيه له تأثيرات سلبية والدليل أن مجتمعنا قديما كان مجتمعا سويا، الرجل يعمل مع المرأة في مزرعة واحدة أو بيئة عمل واحدة دونما مشاكل. وأضاف الغامدي لعل الانفتاح الإعلامي الذي نعيشه له دور كبير في انتشار مثل هذا فمواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والتويتر وغيرهما وأجهزة البلاك بيري والايفون والجالكسي قربت ما بين الجنسين وفتحت الأبواب المغلقة وحطمت الأسوار المرتفعة ما بين الطرفين ووصل كل منهما إلى الآخر عن طريق منفذ خلفي بعيد عن العين، كما أن الوضع الذي يعيشه مجتمعنا وعدم وجود مسارب ترفيهية يلجأ لها الشباب والفتيات لقضاء أوقات فراغهم بجانب أسرهم. فكيف يستطيع الشاب أو الفتاة القضاء على طاقته وهو لا يجد متنفسا ترفيهيا أو رياضيا أو فنيا أو غيرها فبذلك يلجأ إلى عملية التحرش بالطرف الآخر أضف إلى ذلك التربية الأسرية غير السليمة وضعف الأخلاق والوازع الديني لدى البعض، كما أن عملية الانفصال بين طبقات المجتمع تلعب دورا كبيرا في ذلك، ففئة تعمل ما تريد وفئة لا تستطيع أن تعمل شيئا فالفئة الأولى تعيش في وضع اقتصادي جيد تستطيع أن تسافر موفرة لها جميع وسائل الترفيه والفئة الأخرى لا تستطيع أن تتحرك من مكانها ولا يوجد لديها وسائل ترفيهية. التحرش فى المرتبة الثالثة من جهته أكد الدكتور محمد أحمد الحامد استشاري الطب النفسي في جدة أن هذه الااستبيان تؤكد لنا أن داخل مجتمعنا ممارسة خاطئة سواء كانت مشكلة عامة أو فردية يجب معالجتها فوجود مشكلة مثل هذه يعكس عن وجود خلل داخل المجتمع فلعل أحد الأسباب هو وجود فراغ لدى الشباب وعدم إشغاله والقضاء على طاقته ولا ننسى قضية تأخر سن الزواج لدى الشباب والفتيات فكل منهم لديه طاقة وهذه الطاقة معظمها طاقة جنسية لا بد أن تصرف في الاتجاه الصحيح فنحن نفتقد الأندية الرياضية والأماكن الترفيهية لشباب والفتيات بل نجدهم اجتماعي ا معزولين وخاصة الشباب منهم حيث نجد أنه في المولات والمجمعات يمنع دخول الشباب «مبني حصار على الشباب» مما يجعل لديهم ردة فعل على المجتمع للقيام ببناء سلوكيات خاطئة كنوع من التذمر والعناد للمجتمع أحيانا لأنه لم يوفر له المتطلبات التي يريدها لكي يسير في الطريق الصحيح ففي أوقات تكون رسالة للشباب والفتيات يوجهونها للمجتمع صارخين أننا في حاجة إلى الكثير من الفعاليات والنشاطات والأندية وغيرها فلو استطعنا أن نوفر ما يريدون بجانب تغيير ثقافة الزواج لدينا إلى ثقافة الزواج المبكر لمن بلغ سن النضوج لتحمل مسؤولية الأسرة فإذا كان الزواج مبكرًا يستطيع الشاب والفتاة تفريغ طاقتهم الجنسية في الطريق السليم الذي أمرنا به ديننا الحنيف فمعالجة الفراغ ووجود أماكن تفريغ للطاقة قد تساهم في القضاء على مثل هذه الظواهر، فلا ننسى دور الانفتاح العالمي الذي يحاصرنا الآن فبسببه بدأت ثقافة المجتمع تتغير فثورة القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي أثرت في هذا الجانب تأثيرا كبيرا فالمرأة من خلالها تستطيع الوصول إلى الرجل بطريقة سهلة وسريعة فمثل هذه الثقافات غير مقبولة داخل مجتمعنا المحافظ وتشجع على الانفتاح والتواصل مابين الرجل والمرأة. وذكر الحامد أن التحرش الجنسي لا يمارس في مجتمعنا فقط من العزاب بل يشاركهم المتزوجون وسبب ممارسة المرأة المتزوجة أو الرج التحرش الجنسي أو البحث عن علاقة غير شرعية وراءها طريقة الزواج في مجتمعنا الزواج التقليدي حيث ًن الرجل أو المرأة لا يختار شريك حياته بل يفرض عليه من قبل الأسرة ولو استطعنا وفقًا للأعراف الموجودة لدينا أن نحدد طرق الزواج بحيث يصبح لدينا درجة أعلى مما نحن عليه فهذا سوف يسهل كثيرًا ويحقق التوافق الزوجي الشرعي ويقلل من ظاهرة المعاكسات. وفى مواجهة ذلك تنادي الدكتورة سلمى سيبية المستشارة في المشكلات الاجتماعية والتربوية والتعليمية بضرورة نشر الوعي لمفهوم التحرش الجنسي وضرورة العمل على تكثيف الدراسات والأبحاث الاجتماعية والنفسية والقانونية بهدف التعمق في المشكلة بكل جوانبها وتفسيرها من زوايا مختلفة وضرورة عمل دورات تدريبية لرجال الشرطة في كيفية التعامل مع قضايا التحرش الجنسي، وتكثيف الوجود الأمني وسرعة تحرير المخالفات ومساندة الضحية وإنشاء نمط من المكاتب لتلقي شكاوى التحرش الجنسي وضرورة تضامن مؤسسات المجتمع المدني من أجل وضع استراتيجية للحد من هذه الظاهرة وضبط الإعلام، حيث يعد الإعلام من أكثر العوامل المشجعة على التحرش الجنسي لما يبثه من بعض المواد الإباحية. وتقول الدكتورة سلمى ان التحرش الجنسي مسلك وتصرف اجرامي ومحرم قانونًا وشرعًا وهو مشكلة اجتماعية وظاهرة خطيرة تحتاج إلى تكاتف المهن والعلماء من مختلف التخصصات للدراسة والعلاج والوقاية ويعد من أخطر أنواع العنف، والتحرش الجنسي كإحدى الظواهر التي طرأت على المجتمع العالمي بصفة عامة في مختلف الأماكن والمجتمع السعودي بصفة خاصة، وعند الرجوع إلى الإحصاءات والتقارير الحكومية فإن الذهول ينتابنا عندما نقرأ أن حوادث التحرش الجنسي تأتى في المرتبة الثالثة من حوادث الاعتداء الأخلاقي في السعودية وتتعدد أشكال التحرش الجنسي فهي تتم بالاحتكاك واللمس والنكات الجنسية وقد أكد أغلب الدراسات والبحوث السابقة أن التحرش الجنسي ينتج عنه أضرار جسيمة وصحية ونفسية وهذا النوع من الإيذاء البدني والنفسي غير محدد إحصائيا، نظرا لتنافيه مع القيم الأخلاقية والدينية وينتج عن التحرش الجنسي العديد من الضغوط النفسية وله أضرار خطيرة ويتسبب التحرش الجنسي في حدوث اضطرابات عاطفية ونفسية شديدة للضحية، بل يميل الواقع عليه التحرش (الضحية) لرفض المساعدة والتشكيك في سلوكيات الآخرين وتدني الثقة بالنفس وتقدير الذات بينهم، وتمثل الاضطرابات الجنسية صورة من التداعيات من الآثار المترتبة، ويؤثر على صلة الضحية الطرف الآخر مستقبلا وذكر فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عضو اللجنة الدائمة للإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء أن تحرش الفتيات بالذكور سببه السماح للفتيات بالاختلاط مع الذكور، وخروجهن من البيوت ومشاركة كل منهما الآخر في المجالس والنوادي واللقاءات، فالواجب الفصل بينهم في هذه المجالات وفي غيرها وكذلك من أعظم الأسباب الاختلاط في الأعمال في الإذاعة والتلفاز والصحافة والحفلات والنوادي.