"المدينةالمنورة" عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2013م في إطار البرنامج الذي أعلنته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة لعواصم الثقافة الإسلامية. هذا الموضوع استأثر باهتمامي وأنا أتأمل في الفعاليات، والاحتفالات، والأمسيات الثقافية التي ستقام بهذه المناسبة التاريخية التي تبرز جانبا من تاريخ هذه المدينة المقدسة، التي حملت عبر تاريخها أعظم رسالة إلى البشرية، وأضاءت في سمائها أنوار الهداية والإيمان، ومن على ثراها انطلقت الفتوحات الإسلامية إلى أرجاء المعمورة، لتبشر بدين السماحة والعدل والوسطية، الذي نقل الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدّين إلى سعة الآخرة. وقبل أن تصبح المدينةالمنورة عاصمة الثقافة الإسلامية فإنها تبوأت لقبًا لا تحمله مدينة في العالم فهي "عاصمة الإسلام الأولى». وهي مأرز الإيمان، ومهاجر الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- ومثوى جسده الطاهر. ولمنزلتها العظيمة، وخصوصيتها الدينية فقد ذكر المؤرخون ما حظيت به من أسماء كثيرة لا حصر لها ومنها: طيبة، وطابة، ودار الإيمان، وقبة الإسلام، ودار السنة، ودار الهجرة، ودار السلامة، والدرع الحصين، وذات النخل، وذات الحرار، والمحفوظة، والمحبوبة، ومدخل الصدق، والهجرة، والدار، والإيمان.. وغيرها من الأسماء التي حفظها لها المؤرخون. وعندما وقف الأدباء والشعراء عند خصائص هذه المدينة الطاهرة فإنهم أشاروا إلى أنه إذا كان من طبيعة الآثار والمعالم والرسوم أنها تنمحي وتندرس وتزول مع تقادم الأيام والسنين، فإن معالم المدينةالمنورة وآثارها لا تزول، ولا تندرس مع تباعد العهد، وهذا ما أشار إليه شاعر الدعوة الإسلامية: حسان بن ثابت الأنصاري -رضي الله عنه- في إحدى قصائده التي أفصح فيها عن بقاء تلك المعالم والرسوم في مدينته "طيبة» وذلك لأنها ارتبطت بالرسالة الخالدة، والوحي الإلهي، والتشريعات الربانية التي انطلقت إلى الآفاق، وعمَّت الأرجاء، وبقيت شامخة مدى الأزمان، يقول -رضي الله عنه-: بطيبة رسم للرسول ومعهد منير وقد تعفو الرسوم وتمهد ولا تنمحي الآيات من دار حرمة بها منبر الهادي الذي كان يصعد وواضح آيات، وباقي معالم وربع له فيه مصلى ومسجد بها حجرات كان ينزل وسطها من الله نور يستضاء ويوقد معالم لم تطمس العهد آيها أتاها البلى فالآي منها تجدد وشاعر آخر من شعراء طيبة المعاصرين يتحدث على لسان مدينته المحبوبة، وهي تتساءل: هل في الكون من يجهلها؟ يقول: أنا المدينة.. من في الكون يجهلني؟ أيُجهلُ النجمُ في ليلٍ إذا اشتعلا؟ أنا المدينة.. من في الكون يجهلني؟ وقد منحت المدى مجدا وصرح علا إلى أن تقول مفصحة عمَّن يحبونها ويتوقون إليها: أنا المنورة الفيحاء...يعرفني جميع من كبَّر التوحيد وابتهلا أنا المنورة الخضراء... أرديتي طِيبٌ، وثوبي من الأشذاء قد غُزلا أنا المنورة الحسناء... شرَّفها بحبه خير من صلى ومن عملا دعوات صادقة للقائمين على فعاليات الاحتفاء بهذه المناسبة الغالية التي تحتضنها "عاصمة الإسلام الأولى» بمزيد من النجاح والتوفيق. د/ محمد المباركي *الأستاذ المشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية.