اختتمت مساء أمس فعاليات مؤتمر مؤسسة الفكر العربي «فكر10» في مدينة دبي بحضور نخبة من المثقفين والشباب العربي، والذي ناقش على مدى ثلاثة أيام موضوع «ماذا بعد الربيع»، وكان الجلسة السادسة من المؤتمر وقد عقدت بعنوان «المرأة والشباب والفضاء الإلكتروني»، رأسها محمود الورواري، مقدم برنامج «حوار العرب» على «قناة العربية»، وشاركت فيه الباحثة التونسية أسماء الهادي النعيري، بجانب الأردني سامر يونس، وسلطان سعود القاسمي، وغسان حجار مدير تحرير جريدة النهار، والكاتب الإعلامي السعودي فايز الشهري، ناقشوا ما حدث في خضم الربيع العربي، والتحالف بين كلّ من الإعلام التقليدي والإعلام الحديث والتكنولوجيا، من واقع أن هذا التحالف الذي قادة الشباب أنفسهم، قد أسهم في خلق وسيلة تواصل جديدة لنقل الفكرة، سواء أكانت سياسية، أم اقتصادية، أم اجتماعية، أم معيشية... ممّا عكس الواقع الراهن بشتى مدرجاته، على حاله وحثَّ المواطنين العرب ونظرائهم الأجانب على تبنّي مواقفهم بصرف النظر عن طبيعتها. كما طرحت في ثنايا النقاش جملة من الأسئلة مفادها: هل أسهم هذا التحالف في تبيان الواقع الحقيقي أم في تشويهه؟، الثورات والإعلام الحديث: من خدم من؟، هل أثبت التلفزيون أنه وسيلة الإعلام الأقوى التي لا تقهر والتي لا تهزمها أيّ من وسائل الإعلام الحديثة؟، وما هي درجة مصداقية مواقع التواصل الاجتماعي؟، ولأيّ درجة يمكن الوثوق بها؟، ووسائل الإعلام الحديثة: أهي حكر على الشباب والطبقة المثقفة؟، وهل أسهم الحراك العربي في تعزيز دور المرأة سياسيًا ومجتمعيًا؟ تلت ذلك الجلسة السابعة تحت عنوان «ماذا بعد الربيع؟»، التي رأستها فاطمة الزهراء الضاوي المذيعة بقناة العربية، وشارك فيها الإمارتي أحمد عبيد المنصوري، عضو المجلس الوطني الاتحادي، والكاتب السعودي حمود أبو طالب كاتب، والمغربي عبدالإله بلقزيز، أستاذ الفلسفة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وفهد العرابي الحارثي رئيس مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام.. وفي هذه الجلسة خلص المشاركون إلى أن على الوطن العربي أن يكتشف السبل نحو التغيير، وأن يتولّى هندسة عملية التغيير هذه وتصميمها، وأن يضع برنامجًا شاملاً يضمن حياة كريمة للمواطن العربي. وذلك من خلال المحاور الإجابة على جملة من الأسئلة من بينها: هل الشعوب العربية مهيّأة للانتقال إلى حقبة سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وفكرية جديدة؟، وهل ستحمل المرحلة المقبلة تغييرات جذرية على المستويات كافة، أو ستكون مجرد امتداد لمرحلة ما قبل الربيع العربي مع بعض التعديلات التجميلية أوالطفيفة؟، وما وقع الربيع العربي على الأجيال الصاعدة؟، وهل ستظل هذه الأجيال تلمح شبح مرحلة ما قبل الربيع العربي أو تنتظرها حقبة جديدة بالفعل؟. ربيع الثقافة العربي وكانت الجلسة الأخيرة ليوم أمس قد ناقشت موضوع «الربيع العربي ينقصه نصفه الثقافي»، وتطرق فيها المتحدثون إلى «ثقافة التغيير أم تغيير الثقافة»، ذاكرين أنه كان عنوان مؤتمر فكر الثالث عام 2004. لكن في ظل أحداث الربيع العربي المتسارعة، كان لا بدّ من إعادة طرح هذه الإشكالية في مؤتمر الفكر العاشر في الجلسة الخامسة «هل للثقافة من ربيع» التي ترأسها وزير الثقافة الأردني صلاح جرّار. وأكّد جرّار أنّ أي ثورة لا تنطلق من رؤية ثقافية وقاعدة فكرية تظل شبيهة بالانقلاب العسكري، وأنّ أي ثورة لا تحقّق حلمًا بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وإنهاء الإقصاءات سيكون مآلها الفشل ولن تكون ثورة. وقد طرحت الجلسة عدّة تساؤلات عن علاقة الثقافة والفكر بالربيع العربي وعن نتائج هذه التغييرات على المستوى الثقافي والتحدّيات التي تواجهها وعن دور المثقّف العربي في خضمّ هذه المرحلة المفصلية من تاريخ العرب. وأكّد أول المتحدّثين الأستاذ الجامعي من موريتانيا عبدالله ولد أباه أن الثورات العربية فاجأت الجميع حتّى المثقّفين. فبحسب ولد أباه، هناك انفصام بين حركة الواقع العربي والمسار الثقافي العربي، بيّن حركة الشارع والخطاب الليبرالي التحديثي، وهذا ما أظهرته الثورات العربية، بدليل أن «القوة التي نعتبرها مناهضة للديمقراطية هي التي استفادت من الحراك.» كذلك رفض ولد أباه مقارنة الثورات العربية بغيرها فلكل ثورة طبيعتها، مؤكّدًا أنّ الربيع العربي أثبت أنّ الهوية العروبية لا زالت قوية. وتحدّثت الأستاذة المشاركة في قسم التاريخ والآثار في جامعة الإمارات العربية المتّحدة فاطمة الصايغ عن الفراغ القائم بين تفكير الأنظمة والشباب، فالشعوب تصغر في العمر والحكم يهترئ، و»انخفاض متوسط أعمار الشعوب وارتفاع معدل أعمار بلاط الحكام أدّى إلى الفجوة التي بين الحاكم والمحكوم»، مؤكّدةً أنّ ثقافة الربيع المرتبطة بالتغيير سوف تغيّر ثقافتنا، إذ إنّنا نمرّ بمرحلة جديدة ترفض فيها العقول العربية الثقافات التقليدية، ثقافات الفساد وتمجيد السلطة. وأبدت الصايغ تفاؤلاً بنتائج الثورة التي وإن لم تحدث تغييرًا حقيقيًّا بالسلطة، إلا أنّها نجحت في تغيير نمط تفكيرنا ونظرتنا للمستقبل. وعن دور المرأة في الربيع العربي، أشارت الصايغ إلى أن وجود المرأة إلى جانب الرجل في الشارع خاصّة في الدول المحافظة أظهر ارتقاء المطالب النسائية من مطالب جندرية إلى مطالب إنسانية، فالثورة تطالب بحرية الإنسان وليس المرأة أو الرجل. أمّا الأستاذ الجامعي ومدير عام المنظّمة العربية للترجمة في بيروت الطاهر لبيب فقد أشار إلى أن الدرس الأوّل الذي علّمتنا إيّاه الثورة العربية هو التواضع. فأن يقوم إنسان عادي بفعل لم يتنبّأه أحد إلاّ عن طريق الحدس التاريخي غيّر مفهوم أنّ النخب هي تصنع التغيير. كذلك استنكر لبيب الحكم المبكر على الثورة بأنّها فوضى، إذ لا توجد ثورة في التاريخ لم يكن فيها فوضى، طالبًا إعطاء الوقت لهذا المدّ الشعبي والفعل الجماعي الآتي من الشعب وليس من النخبة. كما ألمح لبيب إلى ما سمّاه «عقدة المثقّف» الذي يحاول الآن أن يساهم في بناء ثورة لم يقدها. وازدادت دهشة المثقّف، كما قال لبيب، عندما طغى الطابع المدني والسلمي على التحرّكات لا سيّما في تونس. من جهة أخرى، قال عضو مجلس الشورى في مملكة البحرين ضياء الموسوي أنّ ما حصل هو نصف ربيع سياسي يحتاج الى ربيع ثقافي ف»أزمة المثقّف أنّه كان يخاطب الناس من فوق «البلكونة»». ثم تحدّث الموسوي عن أهمية امتلاك الحرية للجميع وعدم حصرها في مجموعة أو طائفة، فهو كمواطن عربي يؤمن بالحرية، لا يؤمن بالإسلام السياسي، مؤكّدًا على ضرورة الفصل بين السياسة والدين، ومحذّرًا من بقاء العالم العربي في مأزق إذا ما بقيت القوانين المدنية ممزوجة بالقوانين الشرعية. ودعا الموسوي إلى الاحتكام إلى الأنسنة في أزمة يدّعي فيها الجميع أنّه يمتلك الحقيقة المطلقة، مشيرًا إلى أن المتشدّدين موجودون في كل الأطراف، فكما يوجد هناك متشدّدين دينيين كذلك هناك متشدّدين علمانيين. من جهته، قال السفير السعودي لدى اليونسكو زياد الدريس في مداخلته عن وجود موقف فكري للذين قاموا بالثورات، لا رؤية فكرية، مؤكّدًا على بديهية إعادة تشكيل النخب في كل عصر بحسب المتغيرات «ففي عصر الاتصالات، النخب التي تؤثّر في الجماهير تتشكّل من الذي لديهم حسابات تويتر وفايسبوك والناشطين الإلكترونيين بحكم قدرتهم على التأثير والتغيير.» ووافق الدريس مع لبيب في أنّ «الثقافة الربيعيّة» تأتي خلال عقود لا خلال أشهر، لافتًا إلى أن التغيير هو الذي يشكّل ثقافات جديدة. وردًّا على سؤال من رئيس الجلسة صلاح الجرار، قال الدريس أنّ القضية الفلسطينية أصبحت قضية ثقافية، وأن انضمام فلسطين إلى اليونسكو إضافة إلى الربيع العربي هي مؤشّرات على الربيع الفلسطيني. وتختتم الندوات بتوزيع جوائز الإبداع العلمي والفني والأدبي لهذا العام، التي تبلغ قيمة كل منها خمسين ألف دولار.