تُوفي يوم الرابع من محرم لعام 1433ه فضيلة العالم المقرئ المفسّر اللغويّ النحويّ المجوِّد الشيخ عبيدالله بن عطاء الأفغاني أصلاً، وولادة، السعودي جنسية، وحبًّا، وولاءً، عن عمر ناهز 82 عامًا، أمضاها في طاعة الله، وتلاوة القرآن الكريم، وإقرائه، وتحفيظه. والحديث عن الشيخ يُكتب بمداد من الدموع والحزن؛ لفقد معلّم من معلّمي القرآن الكريم الذي فتقت على يديه ألسنة كثير من العلماء قبل العوام بالتلاوة الصحيحة المجودة، وذلك أنه -رحمه الله- قدم لمدينة أبها بداية الثمانينيات الهجرية من القرن الماضي، على أن يبقى بها فترة الصيف؛ ليعلّم في مسجد برزان، ولكن بعد أن رأى اجتماع الناس عليه، وشغفهم بتعلم القرآن الكريم، ووجد أثر ذلك، قرر البقاء في أبها، وشاور زوجته التي رفضت ذلك، وقررت الرحيل لمكةالمكرمة، حيث قدموا، ففارقها، وآثر تعليم القرآن الكريم على حياته الخاصة، وبقي يربي صغاره، ومنهم طفلة صغيرة كانت في أوائل شهور عمرها، فيحتف به صغاره من جهة، وتلاميذه من جهة ثانية، ليلقّن التلاميذ القرآن الكريم، ويلقم صغاره طعامهم، ويحضن مريضهم سنين طويلة حتى أشفق عليه بعض جماعته من مكةالمكرمة لما رأى من معاناة الشيخ مع بنته ذات الشهر، فاستأذن الشيخ في أخذها وتربيتها، وبقيت عنده حتى بلغ عمرها تسع سنوات، وكل ذلك تضحية من الشيخ ليبقى معلّمًا للقرآن الكريم، ومدرّسًا للطلاب في المسجد، والمعهد العلمي، والجامعة من بداية الثمانينيات حتى انتقل للمدينة المنورة بعد ذلك بأربعين سنة، وهو شيخ كبير مريض، ليختار مجاورة المصطفى صلى الله عليه وسلم في بيت صغير حواه مع أسرته الصغيرة ومكتبته، وقد شرّفني الله وأكرمني بدراسة القرآن الكريم على يدي فضيلته في السنة الأولى المتوسطة، وكنت حينها أظن أني من أفضل مَن يقرأ القرآن ويجوّده، ولكن بعد سماع الشيخ تلاوتي هاله ما سمع، وغضب غضبًا شديدًا لتساهلنا في تلاوة كتاب الله، فدفعنا للانثناء بين يدي الشيخ، والجلوس عند ركبتيه لتعلّم القرآن الكريم، ولم نكن نعرف التجويد إلاّ في الكتب فقط، وعندما درسنا على يد الشيخ درسنا التجويد دراسة تطبيقية مؤيدة بالشواهد من منظومة الجزرية، مع إعراب بعض الكلمات، وتفسير ما يحتاج لتفسير، وذكر القصص القرآني، وكان الشيخ يستهل الدرس بالحث على الوضوء، ثم يخرج قارورة طيب من جيبه، فيطيب كل الطلاب في كل حصة، فيجعل الطالب يقرأ والشيخ يمر بين الطلاب بطيبه، فيطيب كل تلميذ في ظاهر كفه، وهو يقوّم قراءة الطالب الذي يقرأ، وكان الشيخ -رحمه الله- لطيف المعشر، متواضعًا، ولم أرَ له مثيلاً في ذلك، يجيب الدعوة من تلاميذه، ويشجعهم، وكان محبًّا لهذه البلاد، لا يفتأ يذكر فضائلها، كما أنه -رحمه الله- كان يمضي حياته كلها معلّمًا للقرآن الكريم في الليل والنهار، وفي السيارة والطريق، وفي المحاضرة الدراسية، وأذكر أن هناك مَن يريد أن يصطحب الشيخ في سيارته -لأن الشيخ لم يقد السيارة- وذلك ليقرأ عليه شيئًا يقوّم به لسانه، أو يتابع الرواية التي يقرأها على الشيخ، فإن الشيخ كان يجيز برواية حفص ،وشعبة عن عاصم بن أبي النجود، وسيرة الشيخ عظيمة عاطرة، وقد كانت رؤيته تذكر ناظره بكتاب الله الذي لم يكن يفارق لسانه، فرحمه الله، وأسكنه فسيح جناته، وجمعنا به في مستقر رحمته.