في خضم الفاجعة تعلو أصوات النقد وتشير الأصابع للمسؤولين عنها، والمقصّرين، والمتسببين فيها، وبعد أن غمرت سيول الحزن صدورنا على فقيدات الوطن في حريق براعم الوطن المعلمات الشهيدات النبيلات: ريم النهاري، وغدير كتوعة، وسوزان الخالدي -رحمهن الله تعالى- اللاتي آثرن البقاء مع الصغيرات، وقضين وهن يضربن أروع المثل في الفداء والإنقاذ، بعد الفاجعة، تضج أصداؤها في أرواحنا معلقة صور الحدث بكل تفاصيله على ضلوعنا، فتمر نبضاتنا تتلمسها وتتحسس ملامحها، تمر صور مبانٍ مدرسية لا تختلف كثيرًا عن (لومان طرة)، فنتأوه وذاكرتنا تعرض صورًا لمدارس نموذجية واسعة تبدو كفنادق النجوم الخمس في دول أقل إمكانات، وتضحك الذاكرة على مفارقات الواقع الساخر، وهي تقرأ مقطعًا في كتاب القراءة بقينا زمنًا نردده حتى يسمعنا العم جابر في مخبزه في الشارع المجاور: فناء المدرسة واسعٌ وفسيحٌ، وحين نخرج من الصف نبحث عن الفناء الواسع الفسيح فلا نجده، فأقول للذاكرة (يا شيخة اتلهي)! فتضحك إلى أن تتمدد أرضًا، وتسخر متسائلة عن وسائل الأمن والسلامة التي ليس من معانيها الأمن، ولا من ضماناتها السلامة، فأقول لها: (انكتمي)، فالقادم أحلى، وستتغير الأوضاع للأجمل والأفضل، فتخرج لسانها قائلة: (ابقي قابليني)! فأحاول شغلها بالسؤال لتأمّل جانب مشرق في الفاجعة الأخيرة، فأقول لها: هل تعتقدين أن الناس سيغيّرون بعض أفكارهم السلبية عن المعلمين والمعلمات حين يتذكرون ريم وغدير وسوزان؟! أليس فداء المعلم للتلاميذ بروحه أمرًا يستحق أن يتوقفوا عنده، فيعيدوا ثقتهم وحبهم للمعلمين والمعلمات؟! فتضحك ساخرة تقول وهي تشد لحافها لتغطي وجهها عني، وتعطيني ظهرها قائلة: (يا شيخة اتلهي)!