لم يكن من السهل محاورة حسين علي وصديقيه الذين كانوا يجلسون في محل للحلاقة في احد احياء مدينة الصدر ذات الاغلبية الشيعية في شرق العاصمة العراقية بغداد في موضوع الديمقراطية التي وعد الامريكان بجلبها الى العراق غداة الحرب التي شنوها على البلاد في عام 2003. فالثلاثة وإن اعترفوا بعد حوار مضن وساخن ان الامريكيين جلبوا الديمقراطية الى العراق فقد كانوا يشعرون بغصة ومرارة في الاقرار بذلك دون النبش في ذكريات مؤلمة حفلت بها تلك السنون لما يفضلون ان يسموه بسنوات الاحتلال الامريكي لبلدهم. وقال علي (21 عاما) بينما كان يجلس مع صديقيه ينتظر دوره للحلاقة «اوكيه.. اوكيه.. نحن الان نستطيع ان نتحدث بحرية وننتخب بحرية ونستطيع ان نتظاهر متى شئنا.. هذا صحيح كل هذه الاشياء لم تكن موجودة قبل 2003.» وأضاف بكثير من العصبية وقد احمر وجهه غضبا «لكن لماذا لا تسألنا عن الجزء الاخر من القصة؟ لماذا لا تسألنا عن الالم والأذية التي تحملناها طوال هذه السنين والتي كان الجيش الامريكي السبب بها؟ لماذا لا تسألنا عن الجرائم والفظائع التي ارتكبوها بحقنا؟ لماذا لا تسألنا عن هذه الاشياء وتسألنا عن الديمقراطية فقط.» ومع اقتراب موعد الانسحاب الامريكي من العراق بنهاية العام الجاري اصبحت الديمقراطية التي عشم العراقيون انفسهم بها لسنوات طويلة موضوعا يثير الكثير من الجدل والخلاف. ومازال العراقيون منقسمين حول حقيقة الديمقراطية التي وعد بها الامريكيون واحلامهم التي قد تكون تلاشت في خضم الصراع على السلطة بين القوى السياسية التي حكمت العراق بعد عام 2003 والذي مازال مستمرا وما تسبب به من هدر لابسط حقوق المواطنة وحق العيش وافتقار للخدمات في بلد غني بثرواته بين دول المنطقة. وكان الرئيس الامريكي السابق جورج بوش قد وعد بعد الفشل في العثور على اسلحة الدمار الشامل التي كانت حجة لغزو العراق بجعل البلاد واحة ونموذجا للديمقراطية في المنطقة والعالم. لكن هذه الوعود ما لبثت ان تبخرت بعد ان تيقن العراقيون ان امالهم واحلامهم بمستقبل افضل لم تكن الا مجرد اوهام وهم يرون بلدهم يغوص بمستنقع الاقتتال الطائفي بين عامي 2006 و2007 والذي تسبب بمقتل عشرات الاف من العراقيين. وعند طرح سؤال عما اذا كان الامريكيون قد حققوا ما وعدوا به وجلبوا الديمقراطية يفضل الكثير من العراقيين الحديث عن الاخطاء التي ارتكبها الجنود الامريكيون طوال تلك السنين مثل فضيحة سجن ابو غريب وما تعرض له سجناء عراقيون من اعتداءات جنسية او الحديث عن ذكريات مؤلمة لصور مازالت عالقة في الاذهان عن الاستخدام المفرط للقوة من قبل بعض افراد الجيش الامريكي ضد عراقيين. ولا ينكر العراقيون انه بامكانهم الان التصويت بحرية لاختيار ممثليهم سواء في مجلس النواب او في المجالس البلدية. كما لا ينكر العراقيون وجود تعددية حزبية اضافة الى العشرات من الصحف اليومية السياسية وغير السياسية ومثلها من القنوات التلفزيونية والاذاعات ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل بحرية سياسية لم يكن يألفها العراقيون قبل عام 2003. لكن شدة الخلافات والصراعات السياسية التي طغت على مشهد الحياة اليومية في العراق وما تسببت به من انقسامات طائفية واستمرار شبه يومي لحوادث وانتهاكات امنية من جانب ميليشيات مسلحة تجعل كثيرا من العراقيين يشككون بماهية المشروع الامريكي للديمقراطية. وقال حمزة جبار (23 عاما) العاطل عن العمل والذي كان يجلس بجوار علي في محل الحلاقة مشيرا الى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين «كان لدينا صدام واحد يسرق ويقتل. تخلصنا منه لكن المشكلة بمساعدة الامريكان.. الان عندنا اكثر من صدام.» وتعتبر مشكلة ارتفاع نسبة البطالة احدى سمات العراق بعد عام 2003 ورغم مرور كل هذه السنوات الا ان مئات الاف من العراقيين مازالوا بدون عمل. ورغم انخفاض هذه النسبة في العراق مؤخرا بشكل ملحوظ الا ان احصاءات رسمية تظهر ان نسبة البطالة في العراق تصل الى 15 في المئة وان 23 في المئة من العراقيين يعملون بدوام جزئي. وتقول بيانات حكومية ان ما يقارب ربع سكان البلد البالغ عددهم ثلاثين مليون نسمة مازالوا يعيشون تحت خط الفقر. وبالحديث مع عشرات من الاشخاص في مدينة الصدر ذات الكثافة السكانية العالية والتي يدين الكثير من ابنائها الذين حملوا السلاح ضد القوات الامريكية في العراق بالولاء لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر المناهض للسياسة الامريكية يقر الجميع وان كانوا مكرهين بحقيقة ان الوجود الامريكي في العراق كان سببا في جلب الديمقراطية الى البلاد لكنهم جميعا يحملون الكثير من الضغائن والكراهية بسبب ما لاقوه خلال هذه السنوات. وينحى كثير من العراقيين باللائمة على قادتهم السياسيين الجدد المنقسمين بشدة على انفسهم ويحملونهم مسؤولية الكثير من المشاكل التي يعانون منها. وقال خالد الطائي (53 عاما) صاحب محل لبيع الحاسبات في الموصل «الامريكان أتوا بالديمقراطية للعراق ولكن الساسة العراقيين هم من اساء لها لانها لا تناسبهم كونها تكشف عيبوهم وتفضح فسادهم وهذا الامر لا يروق لهم.» وفي الجانب الاخر لبغداد وبعيدا عن مدينة الصدر كشف الحديث مع عشرات من سكان مدينة الاعظمية في غرب بغداد ان هؤلاء ينظرون بمنظار مختلف لديمقراطية امريكا في العراق. وقال وائل الخفاجي (48 عاما) وهو صاحب محل وهو يشير الى جندي عراقي يقف على مقربة في نقطة تفتيش للجيش وسط الاعظمية «انظر الى هذا الجندي الذي يقف في نقطة التفتيش.. هذا قادر على اهانتك او اي انسان اخر وان يفعل ما يشاء بك دون ان تستطيع ان تفعل اي شيء ضده او حتى ايقافه. هل هذه ديمقراطية؟». وأضاف «اي ديمقراطية انت تسالني عنها وانا لا استطيع ان احمي نفسي في هذا البلد. اي ديمقراطية وابسط حقوقي انا كانسان مسلوبة. اذا كانت هذه هي الديمقراطية التي يتحدث عنها الامريكان فطز بالديمقراطية اللي تعمل بالناس هكذا». ومازالت شوارع بغداد تعج بالمئات من نقاط التفتيش التي تسبب ارباكا شديدا لحركة المرور. لكن عدم الاستقرار الامني يجعل من وجود نقاط التفتيش هذه امرا حتميا على الاقل خلال الفترة القادمة التي ستواجه فيها القوات الامنية العراقية تحديا كبيرا بعد اكتمال انسحاب القوات الامريكية من العراق. ورغم مرور نحو سنتين على الانتخابات البرلمانية فان الخفاجي مازال يشعر بالخيبة والمرارة شأنه في ذلك شأن العديد من السنة العرب بسبب عدم تمكن اياد علاوي رئيس الوزراء السابق والفائز بالانتخابات من تشكيل الحكومة. ولم يتمكن علاوي الذي رأس القائمة العراقية والتي صوت لها السنة بقوة من تشكيل حكومة بسبب عدم تمكنه من حشد تحالف اغلبية برلمانية وهو ما نجح به غريمه المالكي رغم ان قائمته حلت في المركز الثاني بالانتخابات. وقال الخفاجي «تقدر تقول لي من فاز بالانتخابات ومن شكل الحكومة؟ جاوبني على سؤالي قبل ان تطلب مني ان ارد على سؤالك عن الديمقراطية. اين وزير الداخلية في الحكومة واين وزير الدفاع؟.» ورغم مرور ما يقارب السنة على تشكيل الحكومة الا ان منصبي وزيري الدفاع والداخلية ما زالا شاغرين حتى الان بسبب خلافات سياسية.