من نعم الله على العبد أن يرزقه همة تعينه على الطاعة، وتيسيراً للوصول إليها وبذلك تكتمل الفرحة. وفي حج هذا العام وفي الزحمة الشديدة والطواف الممتلئ بالحجاج حدّثتُ نفسي: هل من المعقول بعد كل هذا التعب يعود الناس لما كانوا عليه من انغماس في الدنيا وملذاتها، أم يجتهدوا للحفاظ على هذه الصفحات المشرقة، ويستمروا في طريق الهداية، ويبتعدوا عن طرق الغواية! فقلت: يا واسع المغفرة اشملنا برحمتك. يا من وقفت بعرفات، وسكبت العبرات، وأظهرت الندم على ما فات، يا من كُتب له عتق من النار، إياك أن تعود إلى طريق الأوزار بعد أن تاب الله عليك منها، إياك أن تقترب من النار بعد أن أعتقك الله منها، قال تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)، فلتعقد النية وتجدد العزم واحرص على أن يكون حجك نقطة تحول في حياتك، وحاسب نفسك، وانظر ما هي آثار الحج على قلبك وسلوكك وأقوالك وأفعالك، داوم على العمل الصالح ولو كان قليلًا، فإن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، واعلم أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، وافتح صفحة جديدة من حياتك مع رب العباد. ولي وقفة هنا إلى كلِّ من يقول: أنا أعمل أجتهد في عبادتي ووظيفتي وغيري على معصية ويعيشون في أحسن حال، أقول لهم: نعم بعض الناس يسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي، فنحن في مجتمعنا نرى أقوامًا يملأون الأرض بالمعاصي والخطايا ليلاً ونهاراً، ومع ذلك يعيشون في رغد من العيش وسعة من الرزق.. ونسي هؤلاء أن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب ونسوا أيضاً أن الدنيا للجميع والآخرة للمطيع، وأن هذا استدراج وإمهال من الله حتى إذا أخذهم لم يفلتهم، (إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، قال تعالى: (فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله ربّ العالمين). وأخيرًا.. نعم انقضى الحج ولكن يبقى الأثر، فيا رب ثبتنا على دينك واجزِ يا رب حكومة خادم الحرمين الشريفين كل خير على كل ما قدموه ويقدمونه لحجاج بيت الله الحرام، اللهم أحسن عاقبتنا وتوفنا وأنت راضٍ عنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. عبدالرحمن عبدالحفيظ منشي - رابغ