في مسيرة الأمير سلمان بن عبدالعزيز محطات مهمّة على جميع الأصعدة الإنسانية والثقافية والسياسية.. ورغم طغيان الجوانب الإنسانية على صفحات كتاب سلمان تفاعلاً، ودعمًا، ومشاركةً، وإحساسًا، ورغم كونه الصديق الدائم لكافة المثقفين السعوديين والعرب، فإن الموافقة العربية الإسلامية تظل عنوانًا ثابتًا للأمير سلمان. ورغم كثرة ما في ذاكرتي وحقيبتي من مواقف ومشاهد لأمير الوفاء والفروسية سلمان بن عبدالعزيز، فإن ملامح وجهه وهو يهمس للأطفال المعاقين تظل الأبرز على الإطلاق. ومن المدهش أن الأمير سلمان عوّدنا في كل زيارة للمعاقين، أو لجمعيات البر أن يبدأ الحديث عن الأمير سلطان، فإذا جاء الحديث عن البر والخير والعمل الصالح، وإذ همّ بافتتاح فرع جديد، وإذا بادر بأي فكرة تختص بالمعاقين اليتامى تحدث في البداية عن الأمير سلطان، وكأنه جاء مبعوثًا له في قلوب هؤلاء المساكين.. وفي ذلك يقول الأمير سلمان وكأنه يدرك أن ثمة سؤالاً يدور في ذهن المتابعين والمرافقين له في جولاته الإنسانية «إنه أحد الذين اختصهم الله بقضاء حوائج الناس، أولئك الذين لا يتوانون عن فعل الخيرات، ويتسابقون لمد يد العون لمن ينشده، يتحسّسون آلام الآخرين، ويهرعون إلى تضميد جراحهم». أعود فأقول إنه رغم كثرة المواقف الإنسانية، ورغم ما صنعه وزرعه وبناه في الرياض على صعيد الحجر والشجر والبشر، ورغم ما تركه من سواعد وطاقات ومواهب في كل المآلات فإن ما قدمه للأمتين العربية والإسلامية يجعله -كما ذكرت- عنوانًا لفارس عربي أصيل. وقد كنتُ في الرياض في ابريل من عام 2001، عندما جاء الأمير سلمان لافتتاح ندوة عن فلسطين، يومها قال الفارس العربي: «إن القضية الفلسطينية قضيتنا، وهي قضية أساسية ليس في ذلك هزل، وبما أنها قضيتنا فأمنها أمننا، واستقرارها هو استقرارنا، ويعلم الله أنني أعيشها بكل جوارحي على مدار الساعة.. مع الشعب الفلسطيني فنحن منهم، وهم منا، ولهم منا كل ما نملكه من جهد ومال». ومضى قائلاً: «لو ترجعون وراء إلى تاريخ المملكة لتجدون في تاريخ الملك عبدالعزيز تجاه هذه القضية مواقف ثابتة وقوية، إذًا فهي قضية نؤمن بها، وهي قبل كل شيء قضية إسلامية». كنتُ هناك حينما قال مخاطبًا الفلسطينيين الذين حضروا افتتاح الندوة: نحن رفاق مصير، ولسنا رفاق طريق، والقدس بالنسبة لنا مثل مكةالمكرمة والمدينة المنورة.. عندها لم يتمالك صديقي الفلسطيني نفسه منخرطًا في البكاء وسط تصفيق الحاضرين. علي عزت على أن موقف الأمير سلمان من القضية العادلة لشعب البوسنة والهرسك يظل هو الأبرز في التاريخ الحديث.. لقد تمكّن الأمير سلمان من تعيمق فكرة الأخوّة الإسلامية الحقة، حتى أن البوسنيين أطلقوا اسمه ليس على العديد من محافلهم وشوارعهم، وإنما على مواليدهم. في المقابل، ظل الرئيس الراحل علي عزت يخاطب الأمير سلمان بأخيه حتى تكسرت حواجز اللغة تمامًا، ونحن نشاهد عناقهما الحار يوم أن جاء عزت بنفسه لمنح الأمير سلمان وسام بلاده. يقول الأمير الفارس: إن المملكة تستشعر قيادة وشعبًا دورها الحضاري والإنساني تجاه المجتمع الدولي عمومًا، والمجتمع العربي والإٍسلامي خصوصًا.. هنا تتضح تمامًا ملامح شخصية المجاهد الحق سلمان بن عبدالعزيز. ويمضي يقول: وكون المملكة دولة رائدة، وصاحبة رسالة عالمية، وقبلة للمسلمين قاطبة، وذات وزن حضاري وثقافي أهّلها للحضور في دوائر العون الإنساني الإقليمي والدولي، أهلاً ذلك لأن تكون في مقدمة الدول التي تأنس برأيها منظمات الغوث العالمية. لقد سجّل التاريخ المعاصر -كما يقول الأمير سلمان- في سجلاته الرسمية والشعبية وقوف السعودية مع الشعوب العربية والإٍسلامية في كل المحن والابتلاءات.. والحق كذلك أن هذه الشعوب سجلت سلمان في قلوبها في أكثر من موقف وأزمة.. من ذلك على سبيل المثال لا الحصر موقفه النبيل وهو يشرف بنفسه على جمع التبرعات لمتضرري الزلزال الذي تعرضت له مصر عام 1992م. والحق إن اهتمام سلمان بمصر بدأ مبكرًا، فقد ترأس لجنة التبرع لمنكوبي الحرب في السويس عام 1956، وعندما تحقق العبور العظيم ترأس الأمير سلمان اللجنة الشعبية لدعم المجهود الحربي مسجلاً إنجازًا معتبرًا. وإذا كان الأمير سلمان الشعبي في المملكة عرف طريقه من خلال الفقراء واليتامى والمساكين والمعاقين فضلاً عن حرصه الدؤوب على لقاء المواطنين كل أسبوع في موعد ثابت فإن شعبيته العربية قد اكتسبها من كثرة اللجان الشعبية التي ترأسها لدعم الجزائر عام 1956، ودعم أسر شهداء الأردن عام 1967 ومساعدة مجاهدي فلسطين في نفس العام، وكذا دعم المجهود الحربي في سوريا عام 1973، وإغاثة متضرري السيول في السودان عام 1988، ومد يد العون والإيواء والمساعدة للشعب الكويتي إثر الغزو العراقي عام 1990. هذا عن الشعبية العربية، أمّا عن شعبيته الإسلامية ومواقفه في هذا الإطار فهي أكثر من أن تعد. وأعود فأقول إنه على كثرة المواقف العربية والإسلامية تظل قضيتا فلسطين، والبوسنة والهرسك علامتين مضيئتين في تاريخ الفارس العربي، ويظل الوسامان اللذان حصل عليهما من الرئيسين الراحلين علي عزت، وياسر عرفات هما الأرفع بالمفهومين العربي والإسلامي الشاملين.