حصول فلسطين على عضوية كاملة في منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) أمس الأول له معان كثيرة ودلالات هامة أولها حدوث تغير جوهري في الموقف الدولي إزاء القضية الفلسطينية، إضافة إلى ما يعنيه القرار من إمكانية استفادة دولة فلسطين في عضويتها في اليونسكو من الحماية التي توفرها تلك العضوية لتراثها وآثارها، وأيضًا اصطفاف دول العالم في وجه الولاياتالمتحدة وتحديها للهيمنة التي تحاول فرضها على الأممالمتحدة تارة بالضغط على أعضائها من خلال التلويح باستخدام سلاح المال لتطويع الدول التي تعتمد على المساعدات الأمريكية، وتارة أخرى باستخدام سلاح الفيتو لصالح إسرائيل التي ترتكب أبشع الممارسات الإرهابية والعنصرية ضد الشعب الفلسطيني بما في ذلك محاولة طمس المعالم الأثرية والتراثية الفلسطينية جنبًا إلى جنب مع محاولة طمس الهوية الفلسطينية. تصويت الولاياتالمتحدة ضد قرار اليونسكو الذي انتصرت فيه لفلسطين ولهويتها الثقافية والحضارية قد يكون شكلاً من أشكال الديمقراطية، لكن إعلان واشنطن قطع مساعداتها لليونسكو عقابًا لها على صدور قرارها بالأغلبية يتناقض كلية مع أبسط مفاهيم الديمقراطية؛ لأنه يعبر عن موقف تقف فيه واشنطن وحفنة من الدول التي تسير في ركابها في دعم الكيان العنصري ضد مواقف الغالبية العظمى من دول العالم المؤيدة لقيم الحرية والعدالة والمساواة. هذا الانتصار الفلسطيني التاريخي انتصار أيضًا لليونسكو ولرسالتها الإنسانية والثقافية عندما رفضت بهذا القرار الرضوخ للهيمنة الأمريكية، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار أن امتناع أكثر من ربع دول العالم (52) عن التصويت ساهم في تحقيق هذا الانتصار بطريق غير مباشر عندما حصر عدد الأصوات فقط في الدول التي صوتت للقرار (107) والدول التي لم تصوت له (14)، بما أعطى القرار أغلبية مريحة. الإنجاز الفلسطيني الجديد يعتبر الثالث في سلسلة الانتصارات الفلسطينية التي تحققت مؤخرًا بعد الأصداء العالمية التي خلفها خطاب الرئيس عباس في الأممالمتحدة وبعد تحرر مئات الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، كما يعتبر محطة هامة في الطريق إلى الدولة الفلسطينية كاملة العضوية في الأممالمتحدة، لكنه سيظل انتصارًا ناقصًا ما لم يتم تفعيله بتسريع المصالحة بين فتح وحماس اقترابًا من تحقيق حلم الدولة.