* مشهدُ الرئيس الليبي معمر القذافي، وهو مقتولٌ، متخمٌ بالدلالات، والعِبر التي تعجز الأقلامُ والصفحاتُ عن إدراكها.. وبغضّ النظر عن المآلات السياسية والحياتية التي ستكون عليها ليبيا، بعد تحريرها من دكتاتوريته، وإن كنت أؤمن أنها ستكون مشرقة بكل معاني القيم الإنسانية الرفيعة، وفي مقدّمتها حفظ الكرامة البشرية.. بغض النظر عن كل هذا، إلاّ أن عِبرًا، ودلالاتٍ، ومعانيَ أخرى تملأ الفضاء البشري مستفادة، ومستقاة من ذلك المشهد. * الكِبر أحد أسوأ السلوكيات البشرية البغيضة، والتي تؤدّي بصاحبها إلى مصير مماثل للقذافي، كما كان لصدام حسين من قبله.. فالحق سبحانه وتعالى توعّد في حديث قدسي شريف كل مَن يتجرأ على ذاته الإلهية، بارتداء رداء الكِبر، وذلك «بقصم ظهره»، والقذافي، ومن قبله صدام لم يكونا يريان أحدًا من البشر سواهما، فالكل «جرذان، وحشرات»! ولهذا لم يكونا يستمعان لصوت العقل من أي أحد كان.. فالقذافي، مثلاً، في ملابسه الإفريقية الفضفاضة، وهو يضم أطرافها إليه في تكبر، ونظراته إلى السماء، وكأنه لا يرى أحدًا سواه، ينطبق عليه قول الحق سبحانه وتعالى: (ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ). * هكذا صور من الكِبر ليس بالضرورة أن تكون لمَن هم في مكانة القذافي، وصدام سياسيًّا فقط، بل وحتى لعامة وخاصة الناس، فالمتكبّر لا يتعدّى على الخلق حين يزدريهم، بل يتجرّأ على الحق سبحانه وتعالى بنصّ الحديث القدسي.. وفرق كبير جدًّا بين الكِبر والتكبّر، وبين العزة والشموخ.. فالكبر ازدراء للآخرين، سواء في حديث، أو مصافحة، أو منزلة، أمّا العزة والشموخ فترفُّع عن الصغائر، وابتعاد عن سفاسف الأمور التي تخدش صورة الإنسان، وتسيء إلى سمعته. * والتاريخ بكل صفحاته والقرآن بكل ضيائه يوضحان الطريقة المثلى للوصول إلى المكانة اللائقة بالإنسان، والسيرة الناصعة، والخاتمة الحسنة، فكل المتواضعين وجدوا لهم أماكن بارزة في صفحات التاريخ، وخلودًا يبقيهم نماذج على مدى الأجيال، والحق سبحانه وتعالى يقول في محكم تنزيله: (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا).. هؤلاء هم فعلاً الخالدون، لا نوعية القذافي وصدام.