كما هي عادتي -التي أصبح بعض قرائي يعرفونها الآن- لا أتحرّج حين أجد مقالاً، أو موضوعًا يعجبني في اللجوء إلى اقتباسه، أو «لطشه»؛ كي أضعه أمام قرائي الكرام، أملاً أن يجدوا فيه ما وجدته من متعة، أو معنى، أو حكمة، دون أن أغبط صاحب المقال، أو الموضوع من عرض اسمه، إذا تضمن الموضوع الاسم، أو الإشارة إلى المصدر إذا وُجد. فقوة «اللطش» هي قوة لا يُستهان بها، يمارسها البعض دون إعلان؛ لأنها قوة غالبة تفرض -أحيانًا- نفسها على الكاتب، فلا يجد أمامه طريقًا آخرَ سوى الخضوع لسطوة، وإغراء، وإرهاب هذه القوة الغاشمة. وأجدُ اليومَ أمامي موضوعًا جديدًا يستحق «اللطش» بعنوان: (أمّي تُسلّم عليكم، وتقول عندكم.. طماطم؟)، بعث به الأستاذ محمد تركستاني لبريدي الإليكتروني، يتطرّق إلى كيف كان الحال زمان بين الجيران، وكيف كان طعم الجيرة، وقرب الجيران إلى بعضهم البعض. كان الجار يطلب من جاره بصلاً.. وبعدها يرسل له قليلاً من الطبخة.. عيش وملح..! الآن تُعدُّ الطلبات بين الجيران عيبًا، وقلةَ ذوقٍ!! وقد يُتّهم الجار بالجنون حين يطلب طماطم! زمان حياة بسيطة، وقلوب أبسط.. وجملة.. «أمّي تسلّم عليكم، وتقول عندكم بصل؟» جميلة العبارة.. بجمال البساطة.. وجمال المحبة.. وجمال روح الجيران الواحدة.. الأسر قديمًا كانت تشعر بمدى حاجة جارها، وترسل له من غيره طلب.. اليوم فقدت العلاقة طعمها.. فقدت دفئها.. فقدت الجيرة.. لم تعد الحياة لها طعم، بعد الاستغناء عن بصل، وطماطم، وخبز الجيران.! ما أحلاها من أيام، كان لي الحظ في أن أعيش جزءًا منها.. فقد كانت بحق زمنًا جميلاً صعبًا أن يتكرر.