توصلت دول منطقة اليورو بعد الكثير من الجهد صباح أمس الى اتفاق على الخطوط العريضة لخطة من اجل معالجة ازمتها الاقتصادية تنص على تخفيض ديون اليونان بحوالى النصف ورصد الف مليار يورو لمنع انتشار الازمة. وبعد عشر ساعات من المفاوضات خلال قمة حاسمة عقدت في بروكسل، اعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن تسوية «ذات مصداقية» و«طموحة» فيما تحدثت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد عن «تقدم جوهري». وقالت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل «اعتقد اننا كنا على مستوى التطلعات واننا قمنا بما كان يتوجب علينا» من اجل اليورو. اما رئيس البنك المركزي الاوروبي جان كلود تريشيه، فرحب بالاتفاق مؤكدا «لقد اتخذنا قرارات بالغة الاهمية في الكثير من المجالات». وتوصل القادة الأوروبيون في اللحظة الاخيرة الى تخطي عقبة تتعلق بنقطة محورية في نظامهم الدفاعي في مواجهة الازمة التي تزعزع استقرار عملتهم المشتركة منذ سنتين، مع شطب قسم من الدين اليوناني المترتب للمصارف الدائنة لهذا البلد. وبموجب هذا الاتفاق، تتخلى المصارف عن 50% من الديون المتوجبة لها، ما يوازي مئة مليار يورو من اصل اجمالي الديون العامة اليونانية البالغ 350 مليار يورو. كما ستتلقى اليونان قروضا جديدة من اوروبا وصندوق النقد الدولي بقيمة مئة مليار يورو بحلول نهاية 2014، في اطار خطة تحل محل الخطة بقيمة 109 مليارات يورو التي اقرت في يوليو. ورحب معهد المالية الدولية الذي يمثل المصارف بالاتفاق مؤكدا انه «موافق على التعامل مع اليونان». وكان الدين اليوناني يشكل آخر عثرة كبرى في القمة. ومع تسويته عم الانفراج الاسواق المالية الاسيوية التي اتجهت الى الارتفاع بعد اعلان عن هذا التقدم الخميس. وعلى الاثر ارتفع سعر صرف اليورو بشكل عابر امس الى عتبة 1.40 دولار لاول مرة منذ اسابيع، قبل ان يعود ويتراجع الى 1.3990 دولار، بالمقارنة مع 1.3908 دولار امس الاول. واعلن رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو ان «اليونان تدخل عهدا جديدا». واضطر نيكولا ساركوزي وانجيلا ميركل وكريستين لاغارد الى التدخل شخصيا خلال الليل للدفع في اتجاه تسوية مع المصارف بعدما تعثرت المفاوضات. وقال باباندريو ان المفاوضات كانت «صعبة جدا». وكان اعلن في 21 يوليو عن اتفاق اول مع المصارف نص على تخفيض الديون المترتبة على اليونان بنسبة 21%. غير ان هذه النسبة لم تعد كافية واشتدت الازمة في هذا البلد الى ان اصبحت في الاونة الاخيرة خانقة، ما حمل على بذل الجهود الجارية منذ عدة اسابيع للمضي ابعد في مساعدة اثينا. ومارست المانيا ضغوطا شديدة مطالبة المصارف باقصى مجهود ممكن وذهبت الى حد الدعوة لشطب اكثر من 50% من الديون اليونانية، مهددة المصارف باللجوء الى اجراءات مشددة في حال الاقتضاء، في تلميح الى اعادة هيكلة قسرية للدين اليوناني. وعارضت فرنسا والبنك المركزي الاوروبي هذا الحل خشية ان تنتشر الاجراءات لتعم اوروبا بالكامل. ولقاء المجهود المطلوب من القطاع المصرفي، تم التوصل الى اتفاق لاعادة رسملة المؤسسات عند الضرورة. وحددت الهيئة المصرفية الاوروبية الحاجات ب 106 مليارات يورو، غير ان الاسواق تقدرها بمبلغ أعلى بكثير، وقد تحدث صندوق النقد الدولي عن 200 مليار يورو. من جهة اخرى قررت دول منطقة اليورو رفع قدرة التدخل المنوطة بالصندوق الاوروبي للاستقرار المالي المكلف مساعدة الدول التي تواجه صعوبات، لتصل الى الف مليار يورو في مرحلة اولى. ويفترض ان يسمح هذا القرار بتجنب انتشار ازمة الديون الى ايطاليا واسبانيا. ويملك صندوق الاغاثة المالية حاليا قدرة مبدئية على الاقراض بقيمة 440 مليار يورو، وهو ما اعتبرته الدول غير كاف لمواجهة ازمة بحجم الازمة الحالية. واتفقت دول منطقة اليورو على الية تسمح برصد المزيد من الاموال بدون ان تضطر الدول الى انفاق المزيد، وذلك من خلال وسيلة «الرافعة المالية». وتقضي هذه الالية بتقديم نظام ضمانات للقروض لتشجيع المستثمرين على مواصلة شراء سندات هذه الدول الضعيفة وابقاء معدلات الفوائد بمستويات منخفضة. وعمليا، يقوم صندوق الاستقرار المالي بضمان جزء من الدين في حال تعثر الدولة المقترضة عن التسديد. والى زيادة الوسائل المالية المنوطة بصندوق الاستقرار الاوروبي الى حوالى الف مليار يورو، تضاف الية اخرى تقضي بانشاء صندوق خاص يستند الى صندوق النقد الدولي، يجمع مساهمات دول ناشئة مثل الصين وروسيا. غير انه من المستحيل تقدير قيمة هذه الالية في الوقت الحاضر. واعربت الصين وروسيا عن استعدادهما للمساهمة في هذا الصندوق، ومن المقرر ان يبحث الرئيس الفرنسي المسألة مع نظيره الصيني هو جينتاو الخميس. لكن من غير المؤكد ان يكون مبلغ الف مليار يورو كافيا لطمأنة الاسواق المالية التي كانت تنتظر اساسا ضعف هذه القيمة. وسيعقد اجتماع لوزراء المالية الاوروبيين لحسم التفاصيل الاخيرة للخطة. وفي اخر شق من خطة مواجهة الازمة، تعتزم منطقة اليورو مواصلة دعمها للبنك المركزي الاوروبي الذي يعمل حاليا على مساعدة ايطاليا واسبانيا من خلال اعادة شراء ديونهما العامة في الاسواق لتفادي ارتفاع معدلات الفوائد على القروض السندية. واعلن الايطالي ماريو دراغي الذي سيخلف جان كلود تريشيه مطلع نوفمبر على رأس البنك المركزي الاوروبي الاربعاء انه سيواصل النهج ذاته بابقائه على الاجراءات «غير التقليدية» للمؤسسة المالية في مواجهة الازمة. واعرب ساركوزي عن «ارتياحه» لهذه التصريحات التي تثبت ان البنك المركزي الاوروبي «ملتزم» بالقرارات المتخذة. وكان دور هذه المؤسسة المالية في اليات التصدي لازمة الديون محور اختبار قوة بين فرنساوالمانيا في الاسابيع الاخيرة، اذ رفضت برلين ان يساهم البنك المركزي الاوروبي بشكل مباشر في صندوق الاستقارار المالي. اما بالنسبة الى ايطاليا التي يخشى انتقال الازمة اليها، فقد سعى القادة الاوروبيون الى الطمأنة بعدما كانوا ضغطوا على رئيس الوزراء سلفيو برلوسكوني مطالبين بضمانات بخفض الدين الايطالي مقابل اجراءات تضامن مع بلاده. وقدم برلوسكوني في بروكسل رسالة تضمنت وعودا بالاصلاح وتركت «انطباعا جيدا» بحسب ما اعلن رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك.