رجل من طراز سلطان لقد كان من حظ بلدي المملكة العربية السعودية أن يكون فيها رجل من طراز سلطان بن عبدالعزيز والذي مافتئ من العطاء الذي طال كل بيت واسرة دون من او تذكير ولم يقف عند ذلك وحسب وإنما تجاوزها الى شؤون تربوية وتنموية أخرى . وخلال حياتي العملية في الاعلام التي تجاوزت عقدين ونيف من الزمن رافقت فيها سلطان الانسان قبل الامير ورجل الدولة قبل الاداري الحازم لأكثر من ثماني جولات خارج المملكة وداخلها كنت في كل مرة اتعجب منه لما يتسم به من صفات قالما ان تكون في انسان وكنت اتساءل ونفسي هل هذا الامير يتظاهر لنا بالتواضع وكيف لي ان اعرف ؟ ولم ادرك ما يدور بخلدي من اسئلة حتى كنت امامه وجها لوجه في رحلة لسموه الى شرق اسيا وتحديدا سنغافورا فكنت احاول جادا ان اقتنص فرصة سؤال سموه وفي كل مرة افشل رغم انه يواجه الجميع بابتسامة جميلة تشجع على المواجهة . وعندما عزمت في المرة الثانية ان التقي بسموه لأسئلة عن مجمل المحادثات التي دارت بينه وبين المسؤولين في سنغافورا لم أجد من بدّ مع حراسه سوى ان احتال عليهم وبالفعل صعدت المصعد الخلفي للفندق ودلفت الى الباب المؤدي لخروج سموه من قاعة الاجتماع وما ان تم فتح الباب وخرج سموه والمرافقون حتى أمطرته بالاسئلة بيد ان الحرس كانوا لى بالمرصاد بل ان احدهم ركلني في جوفي بشكل سريع كي اتراجع ورغم ماشعرت به من ألم الا أنني استمررت اسأل بحشرجة وانا اتلوى وانتبه سموه لذلك فأقترب مني اكثر قائلا: سلامات ياولدي تعال تعال وأخذ بيدي ثم أجاب على اسئلتي وهنا فقط عرفت ان هذا الطود العظيم .. انسان لايتصنع التعامل ولايعرف التزلف وبعدها بيوم قابلني بمناسبة اخرى ورد مازحا .. ماعندك أحد غيري ياولدي وضحك.. فأجبته بزهو .. من للأبناء غير أبيهم وانت ابو الصحفيين جميعا .. هكذا كان سلطان في تعاملاته مع الجميع فلم يكن التعالي من سماته واتذكر في احدى جولاته بمنطقة تبوك وعند مروره من احد الشوارع الرئيسية استوقفت موكبه الرسمي سيدة كبيرة فما كان منه الا ان امر الركب بالتوقف وترجل سموه لها واستمع الى شكواها ولم يتركها الا وقد علا صوتها بالدعاء له .. هذا هو سلطان وحقيقة القول لا اريد ان اسرد كل مآثر سموه لأنه لن تكفيني مساحة الصفحة ولن يسعفني مداد القلم الذي بيدي ، بيد أني اريد ان تستذكر الاجيال القادمة عن شموخ الرجال الذين أعطوا للوطن جل وقتهم وعافيتهم وسهروا الليالي من اجل الذود عنه..ولعمري ان الحديث عن أعماله ليحتاج إلى مجلدات . اعمال سلطان الجليلة ولكن لكل شمس مغرب، ولكل عمر نهاية، ولكل أجل كتاب، ولا تبقى من ذكرى الرجال الكبار إلا كبار الأعمال، وسلطان بن عبدالعزيز أبقى بأعماله الجليلة ومكارمه الخيرة لنفسه ولوطنه ذكرى خالدة لن تبليها الأيام ولن تمسحها السنوات، إذ أنها ذكرى المثال الباقي، ذكرى المال عندما يعطيه الخالق لنفس انسانية نبيلة زاهدة تستخدمه لخدمة الإنسان وفائدة ومصلحة الأمة وفي هذا الصدد. يقول الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز ، مساعد وزير الدفاع والطيران للشؤون العسكرية عن والده من موقع سلطان: نعْمَ الوالد هو، فقد أدى واجبه خير أداء، تجاه تربيتنا وتنشئتنا، وجّهنا وأدّبنا، ربّانا على الشعور بالمسؤولية, وحب الوطن والتضحية في سبيله، والشجاعة في الرأي،والصدق في القول، والأمانة في العمل. وتنشئته إيّانا، يمكن أن أختصرها في جملة واحدة: (الجمع بين القسوة والشدة اللازمتين، والرحمة واللين الواجبين). حقيقة، كان القدوة الحافزة، والقوة الدافعة، في حكمة وحزم. أليست هذه شيم الأب المثالي؟ نعم المعلم هو الذي تعلمنا منه الصبر والجلد, والاستماتة في سبيل البلد. لم يدخر جهداً في سبيل تعليمنا المُثل والمبادىء والقيم. زرع في نفوسنا حب العائلة، وخدمة أفرادها، علمنا الترابط والتلاحم في العسر قبل اليسر. كانت تصرفاته خيرَ معلِّم لنا، وحكمته خير موجه لنا. نحاول التشبه به في الرجولة والشهامة وحب الخير، ونقتبس منه روح العمل والواجب. وقصارى ما نسعى إليه الآن، أن نقتفي أثره، وياليتنا ننجح! نعم القائد هو, فهو مثلي الأعلى, كان وسيظل نبراساً أستضيء به, طوال حياتي. ولن أنسى مواقفه ومؤازراته لي أثناء حرب الخليج, وأنا أشغل آنئذ, منصب قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، إذ كان الدرع التي أحتمي بها، وكانت توجيهاته اليومية، أثناء الأزمة والحرب، تلهمني الصواب، ترسم لي المسار. لقد كان أحد صناع النصر، بل كان الجندي المجهول وراء كل نصر. تعلمت منه الكثير: تنظيمه، قدرته الفائقة على استيعاب جوانب الموضوع، مهما كان شائكاً، قدرته على اتخاذ القرار الملائم في التوقيت الموائم، تفصيل الأوامر بالقدر المكافئ لصلاحيات الشخص الصادرة إليه, إعطاء الحرية للمرؤوسين بما يوافق مبدأ مركزية التخطيط, ولامركزية التنفيذ، كل ذلك في إطار من مراعاة كاملة للنواحي الإنسانية. ويتوج ذلك كله صبره وطول باله، وابتسامته الهادئة التي تشيع الطمأنينة في نفوس المحيطين به، أليست هذه سمات القائد الحق؟ ويضيف الامير خالد: إن لعلاقتي به خصوصية وتميزاً كبيرين، فهي علاقة حب بلا حدود، وتقدير بلا مثيل وإمعان في خدمته، للفوز برضاه، إنها مزيج من علاقة الابن بأبيه، والخادم بسيده، والجندي بقائده، والتلميذ بأستاذه، والمحب بأعز من يحب، ولاريب أن شخصية ذلكم الرجل العظيم، كان لها الأثر البالغ في حياتي، فهو مثلي وقدوتي، وغايتي وأسوتي. وحبي له، لا يفوقه حب إلا حب الله ورسوله. واحترامي له، لا يدانيه احترام. ولا أملك إلا أن أخفض له جناح الذل، اعترافاً بفضله. كتاب مفتوح ويؤكد الكثيرون ممن عملوا الى جانب سموه ومنهم الفريق الدكتور علي بن محمد الخليفة مدير عام مكتب سموه عن موقع سلطان على أنه عند الحديث عن الأمير سلطان بن عبدالعزيز فلابد أن يمتزج فيها السهل بالصعب، فالأمر سهل، لأن الأمير سلطان كتاب مفتوح ماثل للعيان من خلال أعمال جليلة ملموسة للجميع، سواء في المجالات الإنسانية والخيرية المتعددة، أو في إطار الإدارة الحكومية والقيادة السياسية والعسكرية ولأكثر من ستين عاماً. أما جانب الصعوبة في الأمر، فيتمثل في أن الكاتب مهما كتب لا يمكن أن يوفي هذا الرجل حقه في كل المجالات، إذ يتطلب الأمر مجلداً لكل جانب من جوانب حركته في الحياة. ولعل من الأنسب أن أترك الحديث عن الجوانب الإنسانية والخيرية في سلوكه لكتّاب هم أكثر مني اطلاعاً ودراية في هذا الجانب، لا لأني في معزل عنها، فالمكتب الذي شرفني بإدارته قبل أكثر من عشرين عاماً، يمثل إحدى القنوات المهمة في إيصال ومباشرة الأعمال الخيرية على مستوى الأفراد والجماعات والمشاريع الخيرية ذات النفع العام. ويكفي أن يد الجود لديه ظلت مبسوطة حتى في أحلك ساعات المرض. ويستطرد الفريق الخليفة بالقول يقع على كاهل سموه حمل إداري ثقيل، فقيادات القوات المسلحة تعادل في أحجامها وزارات، فضلاً عن قطاع النقل الجوي والأرصاد وحماية البيئة والعديد من اللجان الوزارية الدائمة ومجالس الإدارة إلى غير ذلك. ويتعامل مع الكثافة الورقية الهائلة التي تصل إرساليتها تترى على مدار الساعة تقريباً، على أساس إنجاز العمل أولاً بأول ولا يجوز تأخير عمل اليوم إلى الغد. وأذكر أنه أشار مرة إلى أن هذه صفة أكدها له (جواهر لال نهرو) أثناء زيارته للهند ربما في الخمسينات الميلادية. حقاً إنها عادة إدارية حسنة، فعمل الغد يأتي في حينه، لا ليوضع تحت رزمة من الوثائق بائتة، إنما ليوضع على مكتب نظيف ليجري عليه ما يجرى، دون مبيت. ويضيف مدير مكتبه ومن الملاحظ أن مسؤولي القيادات والإدارات المرتبطة به إنما يتخذون قراراتهم في الغالب انطلاقاً من تقديرهم لوظائف واحتياجات تشكيلاتهم في إطار النظام والتعليمات السارية والصلاحيات الممنوحة، وهذا أمر طبيعي. وهو لا يخرج عن هذا الإطار بشكل عام مع فارق مهم، هو أنه يتخذ قراراته من منطلق أوسع يتعدى دائرة التنظيم الذي يرأسه، فهو رجل دولة بخبرة واسعة في الإدارة الحكومية، وعندما يقرر يحرص على أن يأخذ في الاعتبار مصالح الجهات الحكومية الأخرى، مدنية كانت أم عسكرة ويصف الفريق خليفه الامير سلطان بالدقيق في تعامله والقوي الذاكرة ويقول : في ظني أن هاتين الصفتين هبة من رب العباد – عز وجل – وربما تكونان مرتبطتين. وقد يتوقع أن الدقة تتضاءل عندما تكون كثافة العمل عالية. هذا على الأقل ما نلاحظه على أنفسنا. أما ما يلاحظ عليه فهو العكس، وكم من مرة وقعت شخصياً في مواقف محرجة أمامه في هذا الشأن. وما يقال عن الدقة يندرج على قوة الذاكرة، والأمثلة عديدة لا يتسع ذكرها ... هكذا يقول الرجال الذين عملوا معه فماذا سيقول ممن عرفوا اعماله ولم يشاهدوه بالعين المجردة ؟ ان من يحاول التقليل من شأن سلطان اليوم لايملك الا الحقد الدفين ولا يعرف للنخوة مكانا ولا لشيمة الرجال موقعا لأنها جميعها في قلب ووجدان سلطان الذي فقدناه جسدا ولكننا لن ننساه روحا .. نعم لقد فجعنا بوفاة احد اعظم الرجال العرب خلقا ونفسا وطيبة رحل ابو الضعفاء والارامل .. وغادرنا والدموع تبلل اشمغتنا على فرقاه وليس لنا الا الصبر والسلوان .. رحمك الله ابا خالد وطبت حيا وميتا وان شاء الله طابت روحك في جنات الخلد مع الصديقين والشهداء ..وعزاؤنا ان بين اظهرنا ممن هم مثلك رجالا صدقوا الله ماعاهدوا عليه يحملون رسالة التواضع الحقيقي والمحبة والسلام.