أجمع المشاركون في ورشة العمل التي نظمتها دارة الملك عبدالعزيز بمقرها في الرياض منتصف الأسبوع الماضي تحت عنوان «المصادر الكلاسيكية والجزيرة العربية»، على أهمية مثل هذه الورش في استجلاء وتمحيص المصادر الكلاسيكية، حيث أشار الدكتور ناصر بن محمد الجهيمي نائب الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز في استهلال أعمال الورشة على أهمية المصادر الكلاسيكية في إضاءة جوانب من تاريخ الجزيرة العربية قبل الإسلام، مشيرًا إلى أن هناك ورشة أخرى عن تلك المصادر ستعقد بمشاركة أعضاء من جمعية التاريخ والآثار الخليجية لأهمية الموضوع وندرة التعرض له برؤية مؤسساتية شاملة. وكانت الورشة قد بدأت بورقة عمل للدكتور رضا رسلان من جامعة الملك سعود عن «الكتابات الكلاسيكية» تحدث فيها عن أبرز الكتاب القدماء من الإغريق وغيرهم الذين سجلوا بعض التوثيقات عن تاريخ مصر ودول شمال إفريقيا وبلاد الرافدين وكذلك بلاد العرب موضوع الورشة، وقدّم في ورقته عرضًا موجزًا لتلك المؤلفات ودورها في رصد المعلومات التاريخية الأولى عن الجزيرة العربية والتي تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد، مشيرًا إلى أن هذه الكتابات لا زالت تلاحقها تهمة الأسطورة والخرافة ما يعني معالجة هذا الجانب، بعد ذلك ألقت الدكتور نورة النعيم من جامعة الملك سعود ورقة عمل عن «ثيوفراستوس والجزيرة العربية» تطرقت فيها إلى أهمية المصادر الكلاسيكية -بالرغم من الجانب الأسطوري وتدخل وجهة نظر كاتبها- في رصد الحياة التجارية، وتقديم أول تقسيم جغرافي للجزيرة العربية، وذكر أسماء بعض القبائل الموجودة فيها، وعللت الدكتورة النعيم اختيارها لثيوفراستوس لموضوع الورقة لكونه أول من كتب بمنهجية علمية وانتقد الأسطورة والخيال في المؤلفات في تلك الفترة، مركزة في ورقتها على كتاب ثيوفراستوس المعروف «موسوعة علمية للنباتات في العالم». بعد ذلك طرح الدكتور حسين الشيخ من جامعة الملك سعود ورقة عمل عن «تطور نظرة المصادر الكلاسيكية للجزيرة العربية» تحدث فيها عن تطور حجم المعلومات وتقلص الأساطير في كتب اليونان عن الجزيرة العربية، التي بدأت بذكر مجرد كلمة عربي عند هوميروس في الأوديسة منتصف القرن التاسع قبل الميلاد، مرورًا بما ذكره هيرودوت عن العرب والجزيرة العربية؛ الذي أرخ للصراع اليوناني الفارسي من كتابات مفصلة ومطولة لكنها مملوءة بالخيال المجنح، وكتابات أريستوا بولوس الجغرافي، وثيوفراستوس، وإيراتوسثينيس، وسترابون، ونهاية بكتابات بطليموس الجغرافي ومن تلاه، وأوضح الدكتور رسلان أن المصادر الكلاسيكية تعرضت لتاريخ الجزيرة العربية أولًا بالعموميات ثم تطورت مع مرور الوقت واحتكاكهم بالعرب إلى التخصيص والتحديد لجوانب حياتية محددة. ورقة الدكتور عبدالله العبدالجبار من جامعة الملك سعود تناولت «مشروع المصادر الكلاسيكية والجزيرة العربية»، معتبرًا أن هذه الورشة تمثل تمهيدًا لبداية انطلاقته نحو العمل الجاد، حيث عدّد أهداف هذا المشروع الذي يهتم بترجمة المصادر الكلاسيكية إلى اللغة العربية، مع تقديم فهارس للإعلام والأماكن الواردة في تلك المصادر، موضحًا أهميته في رفد المصادر التاريخية الأخرى، مشيرًا إلى أنها لم تستثمر الاستثمار الأمثل لاستظهار تاريخ الجزيرة العربية في فترات ما قبل الإسلام. كذلك شهدت الورشة العديد من المداخلات، بدأها البداية الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري بالإشارة إلى أهمية هذا المشروع لسد حاجة الطلاب في هذا التخصص من المصادر الكلاسيكية المترجمة التي ستتيح لهم مزيدًا من العطاء العلمي، مبديًا استعداده لدعم منطلقات المشروع وتزويده بالمصادر الكلاسيكية التي لدى مكتبته، فيما أشار الدكتور عبدالله العسكر عضو مجلس الشورى إلى أهمية موضوع الورشة، مقترحًا أن تجمع المصادر اللاتينية والإغريقية والرومانية بلغاتها الأم ثم يترجم إلى اللغة العربية ما يخص تاريخ الجزيرة العربية، حتى لا تتم الترجمة من لغات غير لغة التأليف الأولى لكسب الوقت وتحقيق الجودة العلمية المطلوبة، كما اقترح أن يقوم المشروع بإعادة طباعة المصادر الكلاسيكية الموجودة في مكتبات دولية وعالمية باللغة العربية.