في الوقت الذي يعاني الكثير من أولياء الأمور من صعوبة الحاق أبنائهم بمدارس قريبة من سكنهم أو مقر عملهم، بما يختصر عليهم المسافة التي يقطعونها يوميًّا ذهابًا وإيابًا، ويخلصهم من معاناة الزحام اليومي للسيارات بسبب المشاريع التي تعج بها شوارع جدة منذ سنوات. في ظل ذلك كله ما يزال بعض المدارس قيد الترميم والصيانة، وهو ما اقتضى نقل طلابها إلى الدراسة المسائية في مدارس أخرى بما يشكله ذلك من عبء على أولياء الأمور الذين يجدون أنفسهم مجبرين على الركض في هذه الشوارع المزدحمة صباحًا ومساءً لإيصال أبنائهم وبناتهم إلى مدارسهم، وكذلك إرباك المعلمين والطلاب الذين يحتاجون إلى كثير من الوقت لتغيير «الساعة البيولوجية» ليتكيفوا مع الدراسة المسائية، بما في ذلك من تأثير سلبي على الجانبين. «المدينة» استطلعت آراء أولياء الأمور، ومسؤولي التعليم، والتربويين، وأصحاب الرأي عن هذه المشكلة.. أسبابها، وكيفية علاجها، والحيلولة دون تكرارها في الأعوام المقبلة.. فماذا قالوا؟. أربكوني في عملي بداية قال عبدالله الغامدي: التحويل إلى مدرسة مسائية شكّل إرباكًا شديدًا لي في عملي، فمن أجل أبنائي عملت في فترة مسائية لأتمكّن من إيصالهم إلى مدرستهم صباحًا، والآن لا يمكنني أن أطلب من إدارتي تحويل عملي إلى الصباح؛ لأن مدرسة أبنائي تحت الصيانة، وتم تحويل دراستهم إلى مسائية، ولفترة مؤقتة لا أحد يدري إلى متى تستمر. ويضيف يزيد العامر: مجرد التحويل للفترة المسائية ليس في مصلحة أحد، (الطالب، ولي الأمر، والمعلم) فقد اعتاد الجميع على الدراسة في الفترة الصباحية، وقد ينعكس التحويل للدراسة المسائية سلبًا على المعلم والطالب على حد سواء من حيث الأداء والاستيعاب. قرار مفاجئ أمّا إيهاب عبدالعزيز فيقول: لم يكن في حسباني هذا القرار الذي جاء مفاجئًا لنا، وعلى أقل تقدير بالنسبة لأولياء الأمور كان يفترض أن نحاط علمًا به قبل فترة كافية حتى نتمكن من ترتيب أنفسنا، وتنظيم أمورنا خاصة في العمل. وأضاف: في الصباح أذهب بعدد من الأبناء إلى مدارسهم الصباحية، وذات المشهد يتكرر في المساء، أي أن يومي خصص للمدارس من الصباح الباكر وحتى المساء، فأنا مرتبط بإيصالهم وإعادتهم، وكأن ليس لدي أي أعمال أخرى غير توصيلهم! والسبب أن المدرسة تحت الصيانة، ألم يعلموا بأنها سوف تستمر الى هذا الوقت لترتيب أمورهم بدلاً من إرباكنا ووضعنا أمام الأمر الواقع؟. كيف أؤدي عملي؟ عبدالله العرابي قال: أنا في معاناة من هذا التحويل، ففي كل يوم مشكلة مع مديري ليأذن لي بالخروج من العمل لإحضار ابني إلى المدرسة، خاصة وأن دوام الدراسة المسائية محرج جدًّا (11.30 صباحًا)، فكيف أؤدي عملي؟ فليس من حقي أن يكون دوامي ثلاث ساعات فقط، فأنا محاسَب أمام الله على ما أتقاضاه من أجر. ويذكر جميل الأحمدي أنه نسق مع ابنه الأكبر في حل هذه المشكلة، «ولكن هل الكل قادر على مثل هذا الحل؟ وأضاف: «وعدني مدير المدرسة بأن الوضع لن يستمر طويلاً، ربما شهر أو شهر ونصف على الأكثر». دروس مفقودة وبالمقابل قال سلطان الغامدي (طالب) إنه يضطر دائمًا لترك بعض الدروس في مدرسته الثانوية من أجل إيصال إخوانه الصغار الى مدرستهم الابتدائية. علي الغامدي إداري وتربوي سابق ذكر أن هذه الانشاءات والإصلاحات يجب أن تكون خلال الإجازة الصيفية وفق جدول زمني واضح ومحدد، بحيث لا تعيق سير الدراسية. الساعة البيولوجية الدكتورة نوف عبدالعزيز الغامدي (مستشارة تخطيط إستراتيجي متقدم) قالت ل «المدينة»: بداية استيعاب الطالب لدروسه في الفترة المسائية ضئيل مقارنة بإستيعابه في الفترة الصباحية، كما أن عطاء المعلم لطلابه في الفترة المسائية ليس مثله في ساعات النهار، بالإضافة إلى الانشغال الذهني بأمور حياته وأسرته ومطالبهم. ويضاف إلى ذلك أن الساعة البيولوجية للإنسان الطبيعي متاحة للعمل والدراسة في ساعات النهار، وتميل إلى السكون والراحة في الفترات المسائية، وبالتالي فهو يشكل إرهاقًا من الناحيه الصحية والذهنيه للطالب والمعلم. كما أن هنالك قصورًا في تخطيط عملية التعليم والإنشاءات، حيث إن الجهات التعليمية يجب أن يكون لديها خطط إستراتيجية للبناء والتعمير وآلية وضع المنشآت التعليمية، ووضع دراسات دقيقه بزمن معين، ولابد من توفر الرقابة التامة والتأكد من نجاح المشاريع وتسليمها في الوقت المناسب على أيدي جهات تنفيذية ذات كفاءة عالية. رأي معاكس بدوره قال ضيف على جعفر الغامدي مدير المدرسة النموذجية الثانية: هناك متحدث إعلامي بإدارة التعليم، وما نؤكد عليه أن الأمور طيبة ولم يتغير شيء، ونحن نرفع تقارير يومية إلى الإدارة العامة للتربية والتعليم عن سير الدراسة. مدير عام الإدارة العامة للتربية والتعليم بجدة عبدالله الثقفي علّق على هذا الوضع بقوله: هناك خطة بديلة للمدارس التي مازالت تحت التطوير والصيانة، حيث تم نقل طلابها الى الفترة المسائية بمدارس قريبة من مدارسهم التي لا يمكن أن تستقبل طلابًا بهذا الوضع. وحول المدة الزمنية التي سيستمر عليها هذا الحال، أشار إلى أنها حددت بما لا يزيد عن 30 يومًا.