في عروق الحب يسري دافقًا من دماء الجرح أو دمع الحبيب يقول الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يتنهد: يا ليتني كنت شجرة فأعضد، فنال الشهادة في المسجد: وفاة قامت الدنيا تعزى وناح الدهر واهتز الزمان وافق الوحي، وخالف الهوى، وتابع المعصوم، وتلا الصديق، وسبق الملوك، وصحب العدل، وجد في الأمر، وعزم على الرشد. في الصلاة باكيًا، في المعركة غاضبًا، من الدنيا واجمًا، إلى الآخرة ضاحكًا، إلى الرعية قريبًا. عمر كالطائر الحذر لا يصاد بالشباك، ولا يقع في الأشراك، ولا يهبط على الأشواك. لماح يقظ نبيه، جاءته كنوز فارس والروم، فوزعها على القوم، رفض الديباج؛ لأنه على منهاج، لا يرى لبس الحرير، ولا الجلوس على السرير، ولا أكل الطرير؛ لأنه تلميذ البشير النذير، إن وجد ضالاً نصحه، وإن عاند مكابر بطحه، وإن انتشر ضلال فضحه. سمع الوحي فقال: الله أكبر، وقرقر بطنه من الجوع فقال: قرقر أو لا تقرقر، فبقر في سبيل الله بالخنجر، طالت همته فقصر أمله، وكبرت نيته فصغرت نفسه، واتّسع فهمه فضاق وهمه، كان للظلم بالمرصاد، فكم من ظالم قد صاد، ظنه يقين؛ لأنه صحب الأمين، وردد وراءه آمين. قيل له الروم بالجيوش رموك، فقال: الموعد اليرموك؟ أطلق كسرى الرصاص، فكتب عليه القصاص، وأرسل له سعد بن أبي وقاص: رمى بك الله ركنيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصب جاع يوم الرمادة حتى شبعت الرعية، ولبس المرقع حتى توشح الناس بالأقبية، وقتل حتى تحيا الملة، فلا تموت أبدًا. جزى الله خيرًا من إمام وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق هو باب دون الفتنة كسر، فدخلت منه الطوائف، كلما دخلت منه أمة فاقت في الشر أختها، أراد أهل الضلال العبث في الكتابة، فضرب بينهم بسور له باب، خرج من الدنيا فأطلت برأسها الخوارج، ورفض العيش فأقبلت الرافضة، ولقي قدره فعشعشت القدرية، افترش فارس بسعد الفوارس، ورمى الروم بخالد فطاش راميها، وبعثر سجستان بالنعمان، وأرغم هرقل وأنو شروان، وجبى خزائنهما، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان. قتل عمر ولكنه عاش، وارتحل لكنه أقام، هو فينا في ضمائرنا، في عروقنا، في دمائنا، في قلوبنا، في عيوننا، في الأبطال، في الرجال، في الأطفال. فكيف تذهب يا من حبه أبدًا في كل قلب وهل للحب من أجل عمر: الحزم عند ورود القلق، والعزم مع طائف التردد، واقتناص الفرصة قبل أن تدبر، قوي حتى تضعف صولة الباطل، شديد حتى تلين قناة الزور، صعب حتى تسهل طريق النجاح، همّه تحقيق العدل، ورسوخ المساواة، وحفظ الحقوق، وكسر أنف الأنفة، وقمع جولة الجبروت، عنده حكمة للقلوب، ودرة للأكتاف، وسيف للرقاب، طبت يا عمر حيًّا، وطبت ميتًا، لبست جديدًا، وعشت حميدًا، ومت شهيدًا.