السائل (؟): شيخنا -حفظه الله-: أودّ أن أطرح عددًا من الأسئلة على فضيلتكم، وآمل الإجابة عنها: أولاً: مَن هو واضع علم الصّرف؟ وهل أحدٌ ذكر قبل السيوطيّ أنه معاذ بن مسلم الهرّاء؟ ثانيًا: ما هو النظم المفضل للحفظ في علم الصّرف؟ ثالثًا: هل التفريقُ بين القرية والمدينة له أصلٌ في اللّغة؟ الفتوى 19: أمّا واضع علم الصّرف فهو معاذ بن مسلم الهرّاء، أحد أئمة الكوفيين في النحو والصرف (ت 187ه)، وقد ذكر أنّه الواضعُ الأولُ الرّازيُّ في كتاب (المحرر)، والرّازيّ قبل السيوطيّ، وحكى الأزهريُّ (ت 905ه) الاتّفاقَ على ذلك، والمحققون يأبون هذا الإطلاق؛ لأنّ النحو والصرف متلازمان دأبًا، لا يفترقان أبدًا. وسيبويه كتب كتابه في النحو وفي الصرف من قبل، فهو أقرب إلى الأولية وأسبق، فإن كان معاذ بن مسلم صنّف في ذلك مصنّفًا مستقلاً خالصًا للصرف من دون النحو، فلا رادّ لذلك. فيكون الأولَ باعتبار تخصيصه بالتصنّيف. وأمّا النّظم المفضّل للحفظ في علم التصريف فهو ما تضمنته ألفية ابن مالك، فإن أضيف إليه حفظ لامية الأفعال فحسنٌ، ولا يحسبنّ طالب العلم أنه لا يمكنه الإتقان إلاّ بحفظ نظم في التصريف أو في غيره، فقد كان العلماء متقنين قبل النظم -ومنهم الناظمون الأوائل- لا يحفظون في ذلك نظمًا، ومنهم مَن كان يحفظ متونًا أو كتبًا منثورة، وقد يكون الأسهل على الطالب أن يحفظ متنًا نثريًا كالشافية لابن الحاجب، فهذا المتنُ لا مثيل له في الجمع في بابه حتى قال الشوكانيّ: إن الطالب لا يتمكّن في الصرف حتى تكون شافية ابن الحاجب على طرف لسانه. فإن كان الطالب لا يسهل عليه الحفظ فلا يقهر نفسه على ما لا تحبّ، ويكفي أن يدرس كتابًا مختصرًا في الصرف مع فهمه، وحفظ ما لا بدّ منه، ككتاب (شذا العرف)، فهو كتاب جامع.. ولي كتابٌ ميسّرٌ، اسمه (القرعبلانة في فنّ الصرف). وأمّا القرية والمدينة فبينهما عمومٌ وخصوصٌ مطلق؛ لأنّ كلّ مدينة يقال لها قرية، ولا يُقال لكل قرية مدينة؛ لأنّ من القرى ما هو صغيرٌ لا تجتمع فيه مقوّمات الإقامة، فالقرية يُلحظ في إطلاقها معنى الاجتماع؛ لأنّ مادة (قرا) تدلّ على ذلك، والمدينة يُلحظ في إطلاقها معنى الإقامة؛ لأنّ معنى (مدن) أقام. وإن ظهر لي معنًى آخر، أو وجدتُ ما هو أوسع من هذا التفريق، فسأذكره في مناسبة أخرى.