جميلةٌ هي المدن عندما نتأملها من الأعلى ، هادئة كوجه صبي يغفو على صدر أمه ، تتنفس بعيداً عن لهاث الأقنعة ، بيضاء كزنبقة أعلن الربيع للتو مولدها . تشعر وأنت تنظر لها من فوق بهالة من الدفء تحيط بك وكأنك تلف عنقك بشال كشميري فاخر . كم هو جميل أن تهرب للأعلى من صخب المباني البائسة ، والأجساد المتخمة بالسواد ، والصور الرثة . هناك حيث أنت كطائر لا يعترف بالجاذبية .. تستلقي على كل غيمة وترتشف قطراتٍ سكنت بين السماء والأرض . ستشعر أنه باستطاعتك مد يدك وتحريك المباني نحو الشروق ، وغسل المرتفعات ، والتحدث مع الشوارع الضيقة عن حكايات المارة ، وإطعام الجميع قطعاً من السحاب المغمس بالخيال . من هناك تستطيع رسم الوجوه بجنون ومزجها مع الألوان في فنجان قهوة. من الأعلى تتحول المباني القاسية لأناس يتحدثون عن الجمال والموسيقى والشعر ، وتتحول المصابيح الساطعة لغابة من شمع يتراقص وهو يسترق السمع. النظر للمدن من برج شاهق أو من خلال نافذة طائرة تقترب من ملامسة الأرض تشبه حالة الانغماس في اللاوعي .. أو تماماً كحالة اللذة التي تصيبك بين اليقظة والنوم. أدعوكم للهرب معي من زحام القلوب الصلدة ، ومن أعين المتربصين بسعادتنا ، ومن تجار الوجع إلى أعلى نقطة نشاهد منها مدننا المحملة بالهموم ونقيم مأدبة ( ثرثرة روحانية ) نعود بعدها خفافاً لا نعاني من كل هذه الكآبة المزمنة. ولكن ماذا عن ذلك الشيخ الذي خرج للتو من المخبز بعد عناء وزحام .. هل يملك تذكرة البرج الشاهق ؟ أو دفع قيمة بطاقة الصعود للطائرة لكي يشاهد مدينته التي دهكته في الصباح وهي ترتدي ثوبها السماوي البهي عند المساء ؟ [email protected]