لا يغيّر رفض الحكومة السورية لبيان دول مجلس التعاون الخليجي حول أحداث سوريا المؤسفة، والدّاعي إلى الوقف الفوري لأعمال العنف المفرط، من واقع المشهد الدموي الذي يصدم مشاعر الأمة العربية والإسلامية في هذا الشهر الفضيل، بمشاهد حرب حقيقية بامتياز، يسقط فيها عشرات الضحايا من المدنيين بشكل يومي، دون أن يبدو في الأفق مؤشرات نهاية قريبة له. بيان مجلس التعاون الخليجي بشأن سوريا لم يأتِ فقط تعبيرًا عن مشاعر قادة دول المجلس وحكوماتها، وإنما أيضًا يأتي تعبيرًا عن شعوبها التي آلمها المشهد السوري بكل تفاصيله المأساوية. كما أنه لا يمكن تجاهل ردود أفعال المجتمع الدولي، الذي عبّر بشكل واضح وصريح عن رفضه لاستمرار هذا النهج، وهو ما يعني أنه لا يمكن أن يكون العالم كله على خطأ، والحكومة السورية -وحدها- على حق! العالم غاضب، والعرب غاضبون، فالضمير الإنساني لا يحتمل طويلاً رؤية مشاهد قتل المدنيين تحت جنازير الدبابات، ولا توجد دولة على الأرض تستطيع التعايش مع عالم غاضب من حولها، فماذا تنتظر دمشق؟ ولماذا لا تبدأ تحرّكًا فوريًّا لإنهاء تلك المأساة، والإقرار بأن الجيوش لا يجري تسليحها لمحاربة شعوبها؟! تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أمس الأول التي عبّرت عن غضب تركيا إزاء استخدام الأسلحة الثقيلة، والدبابات ضد المدنيين في حماة، بالقول إن صبرها قد نفد، وأن سوريا لم تأخذ تحذيرات تركيا والمجتمع الدولي لها «على محمل الجد»، وقراره إرسال وزير خارجيته غدًا (الثلاثاء) إلى دمشق، هذا الموقف يرسل رسالة واضحة للحكومة السورية بأنه لم يعدْ مقبولاً الاستمرار في استخدام العنف المفرط، وأن الخطوة التي ينتظرها المجتمع الدولي بكافة أن تنفذ الحكومة السورية وعودها، وأن تبادر باتّخاذ خطوات عملية وعاجلة في الإصلاح، والاستجابة لمطالب شعبها التي تحفظ له حقوقه في الحرية والعيش الكريم. اجتماع مجلس الجامعة العربية غدًا لا يحتمل التغاضي عمّا يحدث في سوريا، لأن تلك الأحداث تشكّل تحديًا حقيقيًّا لدور الجامعة، ومصداقيتها، في عهد جديد، بدأ مع اندلاع ثورات الربيع العربي مطلع هذا العام، ومع تعيين أمين عام جديد انعقدت عليه الآمال، فإمّا أن تثبت الجامعة وأمينها العام الجديد أنها تتفاعل مع قضايا الأمة، وتعبّر بصدق عن تطلعات شعوبها نحو مستقبل يليق بتطلعات تلك الشعوب، وإمّا أن تبعث برسالة سلبية للمواطن العربي فحواها أنها لا تكترث بتلك الأحداث، وما يمكن أن تسفر عنه من مآسٍ، ونكسات جديدة، فتفقد الدور والمصداقية.