أرجو ألا يتم التعامل مع فوز الصحفية والثائرة اليمنية توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام ، على اعتباره انه منجز نسوي وحسب . الانجاز كان للشعب اليمني ككل ، وكان لثورته السلمية ولم يكن للمرأة وحدها أو لشخص توكل كرمان فقط . لا يمكن الدفاع عن حقوق المرأة بمعزل عن الدفاع عن حقوق الإنسان ، ولا يمكن الانتصار لحقوق المرأة دون الانتصار لحق الشعوب في الحياة بحرية وكرامة . وهو ما فهمته جيدا توكل كرمان التي كانت أول من نادى عبر مقالاتها ، بإسقاط النظام اليمني علانية قبل سنوات من اشتعال الثورة . ورغم كل التمييز الذي تعاني منه المرأة اليمنية ، فإن ذلك لم يحول نظر توكل كرمان عن قضيتها الأساسية التي تتمثل في حقوق الإنسان ، ولم يدفعها إلى التعامل مع قضية المرأة بوصفها حربا بين الجنسين كما تفعل كثير من الناشطات الساذجات في الوطن العربي . لقد تميز طرح عدد غير قليل من الناشطات في مجال حقوق المرأة ، بالابتسار والاختزال ، وعلى هذا الأساس تعاطت مجموعة كبيرة منهن مع قضية المرأة باعتبارها مطلبا أو قضية فئوية معزولة عن سياق المطالب الشعبية للحصول على كافة حقوق المواطنة حسب مفهوم الدولة الحديثة . وهذا طرح بائس فضلا عن أنه مجتزأ ومبتسر ويتسم بكل سمات القصور . معركة المرأة في سبيل نيل حقوقها ليست مع الرجل ، والوصول إلى انتزاع شيء من صلاحيات او امتيازات الرجال أو مزاحمتهم فيها وعليها ، لا يعد نصرا لقضية المرأة . القضية أكبر وأشمل من ذلك بكثير . معركة المرأة الحقيقة هي ضد الثقافة الأبوية ( البطريركية ) التي تخضع الإنسان للوصاية وتحاول ابقاء الفرد داخل سجن مؤسسات الوصاية . تحرر المرأة جزء لا يتجزأ من مسألة تحرر الإنسان ، وحصول المرأة على حقوقها مرتبط بإعادة الاعتبار لقيمة الفردانية لا بنجاح المرأة في انتزاع بعض مكتسبات الرجال ذوي النفوذ في مجتمع لا مكان فيه للحرية ولا اعتبار فيه إلا للقوة والقمع . توكل كرمان هي رمز للثورة الشعبية السلمية ، أكثر من كونها رمزا لنضال نسوي منفصل عن نبض المجتمع ومعزول عن السياق التاريخي لنضال شعب عظيم كالشعب اليمني . توكل كرمان اختزلت اليمن في شخصها ، وفوزها بجائزة نوبل هو فوز لليمن ككل .