أضاء الشيخ محمد متولي الشعراوي الطريق لأمته وظل مجاهداً في سبيل رسالة التنوير التي نذر نفسه لها في ظل الوسطية التي التزم بها طوال مشوار حياته (ولقد خلقناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا).. والمتتبع لسيرة هذا العالم الجليل لا يملك إلا تتويجه على رأس هرم المصلحين الدينيين.. لقد أثار الشعراوي غيرة وحسد بعض العلماء من حيث لا يدري، ولا غرو في ذلك فالشعراوي يرحمه الله ليست لديه انتماءات حزبية أو قبلية أو غير ذلك ولكنه دوماً مستقل، وقد حاولت جماعات مع الشيخ الانضمام إليهم، وتجنب الشعراوي الانضمام خوفاً من المطامع التي تتسرب في بعض الأحيان إلى هذه الجماعات. ومما عرف عن الشيخ الشعراوي – وكانت تربطه بوالدي يرحمه الله علاقة متينة أثناء وجود الشعراوي في مكة بضع سنين – أن الشعراوي لا يحب أنصاف الحلول، فهو يكره معالجة الأمور ظاهرياً وينبه إلى ضرورة البحث عن العلة حتى يمكن اقتلاعها من جذورها إن أمكن. ومن أقواله –يرحمه الله- (إننا نعيش فتناً ونعيش أحداثاً وحين نتجه إلى العلاج نتجه إلى ظواهر الأمراض، ولا نتجه أبداً إلى منابع الأمراض، وشفاء الظاهر لا يجدي، فالذي يداوي البشرة من بثور ونتوءات فيها لا يداوي أصل العلة ولكنه يداوي فقط ظاهر العلة). لقد كانت هموم الناس والشأن العام تستحوذ على اهتمامه البالغ ويستخدم وسائل مختلفة للعلاج فتارة بالبيان والإيضاح والشواهد وتارة بالطُّرف والمداعبة، وكان لا يستغني عن النكتة التي يحسن استخدامها وتوظيفها في كثير من المواضع، كان الشيخ يستخدمها للاستشهاد بها أو الاستفادة من مضامينها، وهو في هذا الجانب يذكرني بشيخنا العظيم محمد بن جبير – متعه الله بالجنة - وفي هذا السياق فقد كان معاليه يحرص أثناء زيارته الرسمية لجمهورية مصر العربية – وكان لي شرف المشاركة ضمن الوفد – على زيارة جامعة القاهرة، وشيخ الأزهر الشريف، ومفتي الديار المصرية، وفضيلة الشيخ الشعراوي في داره وكانت الجلسة ممتعة للغاية، وقد أفصح الشيخ الشعراوي للشيخ بن جبير، عن حبه وتعلقه بأرض الحرمين وأهلها وطلب منا الدعاء له بحسن الخاتمة. وتأكيداً لما ذكرت فإن قضايا الشأن العام وتحديداً التفكك الأسري والبطالة والفقر والتحلل الخلقي كانت محل اهتمام الشيخ الشعراوي وكان له فيها وصفات على درجة بالغة الأهمية، قد يكون من المناسب الآن استرجاعها ونحن في داخل نفق مظلم نحتاج فيه إلى من يضيء لنا الطريق، وسيكون لنا في ذلك محاولة إن شاء الله. فاكس: 026980564