التحفظات التي يبديها البعض إزاء تدخل قوات النيتو في ليبيا، لا يعني أبداً أن هذا البعض يؤيد حكم القذافي وعائلته. والخشية على سوريا من الاقتتال الطائفي والحرص على حماية الثورة من الانتهازيين الذين لا يقلون خطراً عن النظام، لا يعني التضامن مع النظام بأي حال من الأحوال. قوات النيتو التي قصفت مدينة سرت بشكل مكثف الأسبوع الماضي، تسببت في حدوث كوارث إنسانية لم يكن أقلّها قضاء بعض الجرحى الذين علقوا بسبب القصف المتبادل. لكن الكارثة الإنسانية الأكبر التي تسببت فيها قوات النيتو والتي لم يصدر ولو اعتذار خجول عنها، هي قصف المستشفى المركزي بمدينة سرت، وكأن المواطنين هناك في حاجة إلى ما يعمق من مأساتهم. كثير من غارات النيتو كانت عشوائية، وهو ما تتداوله وسائل الإعلام الغربية ك(بي بي سي)، في حين تغفله بعض الفضائيات العربية المتعاطفة مع الثورة الليبية. كلنا متعاطفون مع الشعب الليبي وثورته، وكلنا نقدّر حجم المعاناة التي ظل يكابدها لمدة اثنين وأربعين عاماً، لكن هذا لا يمنعنا من التخوّف على الشعب الليبي وعلى ثورته، في ظل كل هذه المعطيات المقلقة. وإذا ما أضفنا إلى المعطيات الحالية، تجاربنا المريرة السابقة مع الغرب، فإن من الإنصاف والحكمة أن يتحوّل الخوف الذي نبديه، من خوف مشروع إلى حذر ضروري. نعم نحن ندرك بما لا يدع مجالاً للشك أو التساؤل بأن نظام القذافي هو المسؤول الأول عن تدخل القوات الأجنبية، وهو المسؤول الأول كذلك عن كل الأرواح البريئة التي أزهقت وكل الخراب الذي حلّ بالبلاد منذ انطلاق الثورة. لكن هذه الحقيقة يجب ألّا تعمينا عن الدوافع الحقيقية وراء التدخل الأجنبي المسلح، ويجب ألا تنسينا استهتار قوات النيتو بأرواح المدنيين. في سوريا هي الأخرى، ورغم كل القمع الوحشي وربما غير المسبوق الذي يمارسه النظام هناك، فإن ما يحدث من جرائم وانتهاكات يجب ألا تنسينا أن البعض يحاول أن يدفع بالبلاد إلى شفير الحرب الأهلية. وهذه جريمة لا تقل عما يرتكبه النظام من جرائم وفظاعات. يجب أن نشاهد الصورة من مختلف الزوايا.