أدت وفاة خالد عبدالناصر نجل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر إلى حالة من الانفجار العاطفي عبرت عن نفسها من خلال روح المراثي والبكائيات التي سيطرت على كتابات وتعليقات عدد غير قليل من المثقفين على الحادث. خالد عبدالناصر رحمه الله لم يقتحم عالم السياسة ولم يتعاطى الشأن العام بشكل رسمي إلا عند توقيع اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة حيث قام بتأسيس تنظيم مسلح مناهض للتطبيع. ومع ذلك فقد تعامل عدد لا بأس به من الكتاب والمثقفين مع وفاة خالد عبدالناصر وكأنها حدث قومي، وبالغوا في تقدير الرجل حتى نصبه البعض بطلا قوميا ووريثا شرعيا لزعامة والده الراحل! هناك كما هو واضح حالة حنين جارف وغير مبرر لدى البعض للحقبة الناصرية. وأقول غير مبرر لأن الحقبة الناصرية تورطت في ممارسة القمع وكرست للأحادية وسجلت الفشل تلو الفشل في المجالات السياسية والاقتصادية حتى وقعت الكارثة الكبرى بهزيمة يونيو (حزيران) 1967. والتغافل عن كل ذلك يعني أن ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان لم تتغلغل بعد بالشكل المطلوب في وعي ولا وعي بعض مثقفينا. نعم عبدالناصر زعامة تاريخية ورمز وطني وقومي كبير، لكن التعامل معه خارج هذا الإطار والحنين إلى مرحلته بهذا الشكل والرغبة في استنساخه حتى ولو عن طريق رجل لا يملك من مؤهلات الزعامة سوى انه ابنه، هو عرض مرضي يستوجب النقاش ومن ثم العلاج. الآن وبعد أن أثبتت الجماهير العربية أنها قادرة على تقرير مصيرها ومؤهلة لكي تكون مصدرا للسلطات لا حقل تجارب للأفكار والأيدلوجيات ولا مجال حيوي للأنظمة السايكوباثية كي تمارس سلطتها المطلقة من خلاله، فإن الحنين الجارف تجاه المرحلة الناصرية لم يعد مبررا أبدا. لقد أثبتت الناصرية فشلها الذريع، وحتى ولو كانت حققت نجاحات كبيرة وإنجازات هائلة فإن ذلك لا يمكن فصله عن السياق التاريخي الذي ولدت التجربة من رحمه. وعليه فإن استنساخ التجربة بدلاً من استلهامها يعني أننا لم نتعلم شيئا من كل ما حدث لنا، ويعني أننا لم نؤمن بعد بالشعوب التي أثبتت أنها فرس الرهان الوحيد الذي يمكن التعويل عليه. لا زعامة إلا للشعب.