عندما تعارض واشنطن رأي أكثر من 66% من الدول الأعضاء في الأممالمتحدة الذين يؤيدون قيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وفقًا للقرارات الصادرة عن الأممالمتحدة نفسها، وضمن حق تقرير المصير الذي يشكل مبدأ أساس من المبادىء التي قامت على أساسها هذه المنظمة الدولية، فإنها إنما تقدم صورة مناقضة تمامًا للصورة التي تحاول إظهارها للعالم بأنها دولة راعية للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان على مستوى العالم، وأنها تدعو إلى زرع بذور الديمقراطية والعدل والمساواة في دول المنطقة. العالم العربي والإسلامي لا يزال يستذكر خطابيْ الرئيس باراك أوباما في تركيا ومصر مع بداية تسلمه الرئاسة في بلاده، عندما أوضح أن الديمقراطية التي تؤمن بها أمريكا والغرب هي الديمقراطية التي تعبر عن إرادة الشعوب ولا تصادر حرياتها، لذا فإن ما يزيد استغراب تلك الشعوب محاولة فرض أمريكا إسرائيل بتلك الممارسات والانتهاكات عليها، وبما يقدم صورة أخرى من فقدان واشنطن لمصداقيتها في الدعوة إلى الديمقراطية الحقيقية التي لا تقبل التجزئة والاستثناء، لا سيما في ظل الحقيقة التي سطرتها الأحداث الأخيرة برفض اثنتين من أكبر وأهم الدول العربية والإسلامية - تركيا ومصر- للممارسات الإسرائيلية متمثلاً في طرد الأولى للسفير الإسرائيلي من أنقرة، وفي استهداف الجماهير الغاضبة لمبنى السفارة الإسرائيلية في القاهرة على إثر قتل إسرائيل لخمسة جنود مصريين. العالم يبدي دهشته الآن إزاء التهديدات والضغوط التي تمارسها واشنطن ضد السلطة الفلسطينية بهدف إثنائها عن التوجه للأمم المتحدة بهدف الحصول على الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية، ولا يخفي استنكاره أيضًا لمحاولة واشنطن فرض إسرائيل بسلوكياتها وممارساتها العدوانية والإرهابية والعنصرية على المنطقة بدلاً من ممارسة الضغط عليها للكفِّ عن ممارسة تلك السلوكيات اللاأخلاقية واللاقانونية، التي لم تعد تستهدف الشعب الفلسطيني وحده بعد قتلها لمدنيين أتراك وجنود مصريين، وإصرارها على مواصلة الاحتلال والقمع والتهويد والحصار على الشعب الفلسطيني ضاربة عرض الحائط بكافة قرارات الشرعية الدولية التي تحظر كافة تلك الممارسات. تهديد الإدارة الأميركية باستخدام الفيتو ضد قيام الدولة الفلسطينية من هذا المنطلق لا يمت لقواعد الديمقراطية بصلة، لاسيما وأنه لا يمثل أغلبية الشعب الأميركي الذي انتصر لمبادئ الحرية وقاوم الاحتلال وانتصر لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.