منذ بروز مصطلح «صدام الحضارات» على سطح المشهد الإنساني، وتزامنه مع الاجتياح العولمي الكبير الذي غطّى الكرة الأرضية بطوفان من المعلومات والثقافات التي دخلت على الناس من نوافذ الفضاء المشرعة على مصارعها، بات من المهم لأي حضارة من الحضارات الإنسانية أن تتحن بمقوماتها، وتنفض عنها غبار النسيان، وتعيد إليها جذورها المنقطعة، وأصولها المنسية، وبغير هذا التحصن فمن الراجح والمحتمل أن تذوب في خضم التيار، وتضيف في هذا الاكتساح الكبير.. ومن بين الأدوات الحضارية تطل الفنون التشكيلية، بكل ما لها من تاريخ وإرث واجب الصون.. ومع طغيان المصطلحات الغربية على الساحة التشكيلية أصبح الإتيان على ذكر الفنون الإسلامية يأتي خجولاً، كما لو أنه لم يكن يومًا حاضرًا في المشهد.. وهذا عين ما تؤكده الفنانة التشكيلية السعودية هيفاء الكثيري بقولها: لا شك أن شهرة المدارس الفنية الأوربية عالمية، وهي موجودة عند المتخصصين والعامة، للأسف هناك الكثير من غير المتخصصين في الفن لا يعرفون عن الفنون الإسلامية الكثير، غير أن من المؤكد أن الفن الإسلامي موجود، وهو فن جميل ومميز بشكل خاص. خصائص الفن الإسلامي وتضيف هيفاء متناولة خصائص الفن الإسلامي قائلة: من المعروف أن الفن في الإسلام اتسم بطابع خاص، وكانت له روح مميزة، والتي طبعت كل الفروع الفنية المختلفة، وعندما نبحث نجد للفن الإسلامي شواهد مازالت حية إلى وقتنا الحاضر، فلو تجولنا في كل من اسطنبول وتركيا ومصر وإسبانيا وشاهدنا الآثار فيها والتي تعود للفترة الإسلامية، وشاهدنا روح الفن الإسلامي المميزة بجمالها، فعندها لن يستطيع أحد أن ينكر وجود الفن الإسلامي أو تجاهله كفن، كما أن هناك العديد من الفنانين العالميين ممن تأثروا بالفن الإسلامي وروحه، ولكن الظروف السياسية والاجتماعية في ذلك الوقت هي من ساعدت في بروز الفن الأوروبي بمدارسه المختلفة، ودارسي الفن في الجامعات والمتخصصين فيه يدرسون المدارس الأوروبية إلى جانب الفنون الإسلامية.. الكثيري لم تسيّج نفسها في مدرسة تشكيلية بعينها، غير أنها تميل إلى الرمزية في أغلب أعمالها، تاركة لنفسها حرية التجريب عبر المدارس الفنية المختلفة، مستندة في ذلك إلى فلسفة ترى أن الفنان في بداية طريقه الفني عليه أن يحاول بالتجريب في كل المدارس قبل أن يصل إلى القناعة بالتعامل مع مدرسة بعينها، حسب ميوله وإمكانياته الفنية والإبداعية، فهذا الواقع يترك له حرية التعامل مع لوحته، فقد يدمج فيها أكثر من مدرسة، وهذا حق متاح طالما لا توجد أي قاعدة في الفن تقيد الإبداع عند الفنان المتميز.. تكفيك الرموز وتعود هيفاء على الحديث عن الرمزية مشيرة إلى أنها تمنح اللوحة أبعادًا مختلفة، وقراءات بصرية ووجدانية باختلاف أذواق المتلقين ومدى ثقافتهم البصرية، لافتة إلى أن الرموز والتشكيلات الفنية التي تظهر في اللوحة، ويشكو البعض من غموضها، يمكن فهمها بصورة جلية، ويعتمد ذلك على ثقافة المتذوق الفنية فهي تساعده في ذلك، فكلما كانت الثقافة البصرية وتربية الذوق قائمة على التنوّع والعمق، كلما كان يسيرًا على المتلقي أن يجد مفاتيح الرموز في اللوحة التي يطالعها.. مضيفة بقولها: وأقر أن هناك عددًا من المدارس الفنية كالواقعية تكون اللوحات واضحة وسهلة الفهم؛ لكن هناك لوحات قد تكون رمزية أو تجريدية لابد أن يشرحها الفنان للمتذوق، لأن العناصر فيها تكون غير واضحة، فأحيانًا تكون اللوحة الفنية بالنسبة للمشاهد مجموعة من البقع اللونية، أو الأشكال غير الواضحة فلا بد أن يشرحها الفنان. أدوات وخامات وتمضي الفنانة هيفاء الكثيري في حديثها معتبرة أن الفن التشكيلي ليس فرشاة وألوان ولوحة فحسب، بل هو عبارة عن مجموعة من الأدوات والخامات المختلفة والتي يمكن للفنان التعبير من خلالها، فهنالك تنوع في هذه الخامات الأدوات وهذا يعتمد على جرأة الفنان وقدرته على استخدام هذه الخامات والأدوات ولا ينحصر الفن التشكيلي في الفرش والألوان واللوحة فهناك عدد من الفنانين يضيفون الخامات المختلفة وهو ما يسمّى التجريب في الفن التشكيلي، وهذا التجريب يفتح للفنان آفاقًا عديدة يستطيع أن يعبر من خلالها ويظهر أفكاره المختلفة من خلال ما يتوفر له أو من خلال ما يحبه من الأدوات والخامات. وترى هيفاء أن المشوار ما زال طويلاً أمام الفنانة في السعودية لتأخذ مكانها في الوسط الفني، قائلة: اعتقد أن المشوار ما زال طويلاً بالنسبة للفنانة السعودية لتأخذ مكانها في الوسط الفني، فهناك عدد من الصعوبات التي يجب عليها اجتيازها أولاً؛ ولكن أرى أن هناك البعض من الفنانات السعوديات حققن ذلك ويوجد في مجتمع التشكيليات السعوديات الكثير من الفنانات التشكيليات السعوديات المميزات في فنهن واللاتي لم تتح لهن الفرصة للوصول للمكانة التي يطمحن إليها. دور فعّال وحول دور جمعية الثقافة والفنون بالرياض في الارتقاء بالفن التشكيلي تقول هيفاء: من المعروف الدور الفعال الذي تلعبه الجمعيات والجماعات الفنية، وعند ذكر جمعية الثقافة والفنون بالرياض فلا يمكن إغفال الدور الهام الذي تقدمة الجمعية للفنون المختلفة التشكيلية وغيرها من الفروع الأخرى من الفنون من مسرح وغيره، ولكن أعتقد أن الجمعية تجد صعوبة كبيرة في خدمة هذا العدد الكبير من الفنانات التشكيليات. معارض بلا جمهور وبرأي الكثيري فإن الجمهور وهو ما ينقص الفنان السعودي؛ حيث تقول: أرى أن الجمهور هو ما ينقص الفنان السعودي، فالمعارض الفنية تعاني من قلة الزوار، ومعظم الزوار هم من الفنانين أو المختصين في الفن، والقليل ممن لديهم الرغبة في اقتناء اللوحات الفنية. فالمعارض الفنية تفتقر للجمهور الذواق المحب للفن فقط، فالمعارض في خارج المملكة نجدها تحظى بإقبال من الجماهير بصورة أكبر من المعارض الفنية في المملكة، ولكن أعتقد أن المعارض التي تقام في الأماكن القريبة من الجمهور تشجعه على المتابعة، فمهرجان كمهرجان الجنادرية للتراث والثقافة تحظى المعارض الفنية المشاركة فيه بزيارة جيدة جدًا من قبل الجمهور، وفيه تتاح للفنانين فرصة ممتازة للتقرب من الجمهور من خلال عرض أعمالهم الفنية المختلفة، لذلك فهي فرص جيدة ونتمنى زيادتها. علاقة وطيدة وتختم هيفاء حديثها كاشفة عن علاقتها بلوحاتها الفنية بقولها: من الصعب وصف ذلك بالكلمات فاللوحة الفنية عبارة عن مجموعة من الأفكار والمشاعر المختلطة تتشكل في خطوط وأشكال وألوان تمتزج مع بعضها البعض ينقل من خلالها الفنان مشاعره وهذه المشاعر تختلف من فترة لأخرى وبالتالي من لوحة لأخرى لذلك من الصعب تحديد علاقتي بلوحاتي الفنية ولكن من الممكن أن أقول إنها علاقة وطيدة، ومن من المعروف أن لكل فنان بصمته الخاصة في العمل الفني ولكن بشكل عام أحاول أن أجرب العديد من الأنماط المختلفة والمتعددة لأني أجد نفسي مازلت في بداية طريقي الفني فمازال أمامي الكثير لتجربته، مع الإشارة إلى أني أفضل التعامل مع الألوان الزيتية في أعمالي فهي المفضلة عندي، وأجد متعة كبيرة فيها، ومعظم لوحاتي منفذه باستخدام الألوان الزيتية، فعلاقتي فيها وطيدة، ولكن دائمًا أحاول أن أخلط معها خامات مختلفة لأتوصل للعديد من النتائج المميزة، وكثيرًا ما أحاول أن أجرب أدوات وخامات جديدة لتعطيني تأثيرات مختلفة وبعد دراستي للخامات والأدوات والحصول عل ما أريده اعتمدها في أعمالي.