إذا قادتك قدماك إلى سوق اليمنى جنوبجدة، سيلفت انتباهك ذلك الكم الهائل من المخالفات والممنوعات ومنها البسطات العشوائية والأطعمة المكشوفة وبيع الممنوعات مثل القورو والتنباك. كل ذلك يجسده عدد كبير من الباعة في محلات ذات أزقة ضيقة متعرجة تزدحم بالمارة من المشترين والزائرين على السواء، حيث تمتزج حوانيت التراثيات بنظيرتها التي تقدم السمك المجفف والمقلي ومحلات الحناء اليمنية الشهيرة، إضافة إلى الطواحين التي تقدم البهارات، وبسطات لبيع الخضروات والفواكه، مشكّلة جميعها كرنفالا شعبيًا تعطره محلات أخرى تخصصت في بيع الفل والريحان في ذلك السوق العتيق المنزوي شرق جسر الصحيفة. ويتميز السوق الذي يعد من أقدم الأسواق الشعبية في مدينة جدة، برائحة الماضي العتيق، حيث يعد موقعًا بارزًا لعدد من الأكلات الشعبية المعروفة مثل اللحوم والسمك المجفف واللحم الجيزاني والفجل والخمير إضافة إلى التراثيات والفخاريات المختلفة. ووفقا لما رواه لنا أقدم بائع في السوق العم أحمد عمر الرمادي -75 عامًا- حيث أمضى نصف قرن تقريبًا في مزاولة مهنة بيع العطارة والبهارات، فقد تأسس سوق اليمني قبل حوالى 50 عامًا بواسطة عدد من التجار الذين قدموا من سوق باب شريف المجاور له آنذاك، إذ لم يكن يفصل بينهما سوى أمتار محدودة. ويضيف: «من أبرز الذين ساهموا في تأسيس السوق الشيخ سعيد الغامدي، الشريف حسن، والشريف الزبيدي، حيث كان في السابق عبارة عن محلات من العشش تحيطها منطقة فضاء، ومن ثم تطورت شيئًا فشيئًا حتى افتتحت هذه المحلات التجارية». وزاد: «يعد افتتاح مشروع جسر الصحيفة علامة فارقة في سوق اليمني الذي سمي بذلك نسبة إلى المقيمين اليمنيين الذين مكثوا وعاشوا في تلك المنطقة». وأشار العم أحمد إلى أن مجاورة السوق لعدد من الأسواق الشعبية مثل (باب شريف، البلد، وباب مكة) لم يشفع له بالتطوير أسوة بتلك الأسواق، الأمر الذي جعل وضعه يزداد سوءًا يومًا بعد آخر. بائعات (القورو) وعند المرور في جنبات السوق العتيق الذي يطل على شارع الستين في حي الهنداوية يستوقفك مشهد نسوة أفريقيات على قارعة الطريق يبعن (القورو) وقد تجاورن في فرش بسطاتهن، وتلحظ إقبال الزبائن على شراء تلك الثمرة التي تشبه الليمون في شكلها وحجمها، وهي تحتوي على مركبات فعالة من الكافيين وتستخدم لزيادة النشاط البدني، وموطنها الأصلي في غرب إفريقيا وتدخل إلى المملكة عبر وسائل تهريب متنوعة ويصل سعر الحبة الواحدة منها إلى عشرة ريالات. حاولنا التحدث معهن إلا أنهن رفضن ذلك خوفًا على مهنتهن التي تعد مصدر دخلهن -بحسب ما قالته إحداهن سمت نفسها (مريم). ويرى أحمد الملاحي وهو زبون اعتاد ارتياد السوق أن «للقورو فوائد عديدة للجسم، خاصة في علاج الحموضة وبعض الأمراض الأخرى». أواني الفخار والحناء اليمنية وفي ناحية أخرى من السوق العتيق ستجد محلات قديمة لبيع أواني الفخار والمجسمات التراثية والتي ترمز إلى حضارات موغلة في القدم إضافة إلى أخرى لبيع الحناء اليمنية. يقول أبو سامي درويش -40 عامًا- والذي أمضى قرابة العقدين بائعًا في السوق: «أنا هنا متخصص في بيع المجسمات التراثية مثل دار الحجر وهو أحد المباني التاريخية في اليمن، إضافة إلى البيوت النجرانية والجنوبية بشكل عام كما أبيع أجود أنواع الحناء اليمنية التي تأتي من وادي نبأ»، مشيرًا إلى أن سعر الكيس الكبير الذي يزن 20 كيلو جرامًا يصل إلى 150 ريالًا، فيما يفضل بعض الزبائن أحجامًا صغيرة تباع بحوالى 10 ريالات للكيس الواحد». ويتردد يحيى علي حسن غاوي -47 عامًا- وهو مواطن يسكن بمكةالمكرمة، على هذا السوق منذ ثلاثة عقود، بمعدل مرتين شهريًا على الأقل، لما يجده فيه من توافر سمك الديرك واللحم الجيزاني بنكهة خاصة، إضافة إلى اللحوم والفجل والحلبة وباقي الأكلات الشعبية الجنوبية.