اتسمت البرامج التلفزيونية الدينية خلال شهر رمضان المبارك من هذا العام ، بالتسطيح الشديد وخلت أو كادت أن تخلو من التوجه الفكري العميق الذي ميز بعض البرامج في السنوات القليلة الماضية . صحيح أن الغالبية من البرامج الدينية كانت ولا تزال تنحو منحى التسطيح ، وصحيح أن خطاب معظم الوعاظ كان ولا يزال يدور ضمن محاور ضيقة ، وصحيح أن طريقة تناول المواضيع التي يطرحونها كانت ولا تزال تتسم باللعب على وتر العواطف الساذجة ، إلا أن بعض البرامج التي شاهدناها خلال الأعوام الأخيرة والتي حُرمنا من متابعتها هذا العام ، كانت تتميز بطرح فكري عميق وبرؤية جديدة عملت على إجراء المصالحة المطلوبة بين الدين وبين العلوم ومنهجها وفلسفتها التي باتت هي المحرك الرئيس لكل الأنشطة الفكرية في العالم الأكثر تحضرا . ينتمي إلى هذه النوعية النادرة برنامج ( دين ودنيا ) الذي عرضته قناة دريم خلال شهر رمضان المبارك في العام الماضي . البرنامج كان عبارة عن ندوة يومية يديرها الدكتور عمار علي حسن بين كل من المفكر الإسلامي جمال البنا وأستاذ الشريعة بجامعة الإسكندرية الدكتور محمد كمال إمام . وقد كان للثقافة الموسوعية التي يتمتع بها الضيفان بالإضافة إلى تباين وجهات نظرهما حول العديد من المواضيع المطروحة للنقاش ، دور كبير في إثراء الحوار ، ودور أكبر في فتح آفاق لا نهائية امام المشاهد الذي وجد نفسه وللمرة الأولى ، خارج أسر المنهج الواحد ووجهة النظر الواحدة ، ولا أقول طبعا الأحادية على اعتبار أن كلا من البنا وإمام يدعوان إلى نبذ الأحادية تماما . البرنامج الديني الذي لفت نظري هذا العام هو برنامج ( خواطر ) للأستاذ احمد الشقيري المتخصص في مخاطبة شريحة الشباب . وللحق فإن الشقيري استطاع أن يطرق قضايا في غاية الحساسية وتمكن من ترسيخ مفهوم للدين يربط بين العبادة وعمارة الأرض ، بأسلوب يتسم بالسلاسة والبساطة البعيدة عن التسطيح . الفكر هو ما ينقص البرامج الدينية .