لقد خلقنا الله سبحانه وتعالى لإعمار هذا الكون بشتى الوسائل والسبل، ولا يتأتى هذا إلا من خلال العمل المتقن والكفاح الدؤوب الذي لا يعرف اليأس، والقلب الجسور الذي لا يعرف الخوف، ولهذا بنت الشريعة السمحاء جميع العبادات على العمل، فلا تخلو أي عبادة من العمل. وفي هذا يقول الله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). إن الحديث عن العمل هو حديث عن منهج حياة، وبناء أمة، وتنشئة أجيال، فالعمل هو أصل التقدم والنجاح، وبالعمل يتميز الإنسان عن غيره من البشر، ويتقلد المناصب ويرقى إلى أعلى الدرجات، وهذا هو الأمل المأمول. لقد كان رسل الله جميعهم يعملون بحرف مختلفة. كالنبي محمد سيد الخلق- صلى الله عليه وسلم- الذي عمل بالرعي والتجارة، والنبي آدم -عليه السلام- كان مزارعاً، والنبي نوح -عليه السلام- كان نجاراً، والنبي إدريس كان خياطاً، والنبي داوود -عليه السلام- كان حداداً، وغيرهم من الأنبياء الذين وضعوا بصمتهم في شتى المجالات، التي هي أساس تقدم المجتمع. ونستنبط من حكمة عمل الأنبياء مدى شرف العمل الحلال الذي يتم النظر إلى فائدته ونفعه لا إلى مظهره وبساطته، ولا يتقبل الله إلا خالص الأعمال التي يبتغى فيها وجهه الكريم قبل كل شيء، وهذا يحثنا على إتقان العمل وبذل أقصى ما في جهدنا ليخرج في أبهى صوره، فلو راعى الصانع صناعته، والطبيب مهنته، والمحامي قضيته، والموظف ما كلف به، لصلحت واستقامت الأحوال، (وما وجدنا انتشار الفساد في الأمم وما إلى ذلك).. فكل ما نحتاج إليه هي وقفة قوية مع النفس للسيطرة عليها لنعلو بها على سفاف الأمور، ولنرسم البسمة على وجه رؤسائنا وعملائنا بتقديم أفضل ما لدينا. إن من أول الأمور اللازمة لإتقان العمل، إدراك أهمية هذا الأمر والإحساس بالمسؤولية، وكذلك الترتيب والتنظيم والانضباط، واتخاذ القرار المناسب والعمل بروح الجماعة، وهي أمور مهمة، وبخاصةً عندما يخرج العمل على نطاق الفرد ليشمل جماعة من الجماعات، أو مجتمعاً من المجتمعات، أو أمةً من الأمم. وأخيراً أذكركم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته).. حيث نجد كل إنسان بصيراً على نفسه، ومسؤولاً أمام الله عما قدم وأخر، فكل شيء ينتهي إلى زوال، ولا يبقى إلا الذكر الحسن الذي هو ثمرة الأعمال الصالحة في هذه الحياة، والله الموفق.